فصل: بَابٌ مِنْ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابٌ مِنْ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ:

قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْوَكِيلَ مَتَى قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ، بِمَا سَمَّى لَهُ، جَازَ التَّوْكِيلُ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِعَيْنِهَا، بَلْ الْمَقْصُودُ شَيْءٌ آخَرُ، يَحْصُلُ لِلْمُوَكِّلِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ بِمَا سُمِّيَ لَهُ كَانَ هَذَا عَقْدًا مُقَيِّدًا لِلْمَقْصُودِ، فَصَحَّ وَإِلَّا فَلَا.
وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ مَا سَمَّاهُ فِي الْوَكَالَةِ؛ إذَا كَانَ يَتَنَاوَلُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِهِ سَوَاءٌ سُمِّيَ الثَّمَنُ أَوْ لَمْ يُسَمَّ، لِأَنَّ جَهَالَةَ الْجِنْسِ جَهَالَةٌ مُتَفَاحِشَةٌ، وَتَسْمِيَةُ الْجِنْسِ وَالثَّمَنِ لَا يُصَيِّرُ الْجِنْسَ مَعْلُومًا بِهَا، فَإِنَّ كُلَّ جِنْسٍ فِيهِ مَا يُوجَدُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، فَلَا يَقْدِرُ الْوَكِيلُ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ، وَإِذَا سَمَّى الْجِنْسَ اشْتَمَلَ عَلَى أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ، أَوْ النَّوْعَ جَازَ التَّوْكِيلُ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ بَيَانَ مِقْدَارِ الثَّمَنِ يُصَيِّرُ النَّوْعَ مَعْلُومًا.
وَإِنْ سَمَّى الْجِنْسَ وَالنَّوْعَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الصِّفَةَ جَازَتْ الْوَكَالَةُ سَوَاءٌ سُمِّيَ الثَّمَنُ، أَوْ لَمْ يُسَمَّ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ الصِّفَةَ.
وَجْهُ الْقِيَاسِ: أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ وَصْفِهِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّا نَجْعَلُ الْوَكِيلَ كَالْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ، ثُمَّ الْبَائِعُ مِنْ الْمُوَكِّلِ.
وَكَانَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَأْخُذُ بِالْقِيَاسِ إلَى أَنْ نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ فَدَفَعَ الدَّرَاهِمَ إلَى إنْسَانٍ؛ لِيَأْتِيَ لَهُ بِرُءُوسٍ مَشْوِيَّةٍ، فَجَعَلَ يَصِفُهَا لَهُ، فَعَجَزَ عَنْ عِلْمِهِ بِالصِّفَةِ، فَقَالَ لَهُ: اصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ، وَاشْتَرَى الرُّءُوسَ، وَحَمَلَهَا إلَى عِيَالِهِ، وَعَادَ إلَى بِشْرٍ بَعْدَ مَا أَكَلَهَا مَعَ عِيَالِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ مَا قُلْت لَك عَنْهُ، فَقَالَ: قُلْت لِي اصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، وَقَدْ بَدَا لِي مَا فَعَلْتُ، فَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ، وَأَخَذَ بِالِاسْتِحْسَانِ.
وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ دَفَعَ دِينَارًا إلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهَا» ثُمَّ الْوَكَالَةُ عَقْدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ، وَالْجَهَالَةُ فِي الصِّفَةِ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ، وَذَلِكَ عَفْوٌ فِي الْعُقُودِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّوَسُّعِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ، وَالْمَقْصُودُ بِهَا الرِّفْقُ بِالنَّاسِ، وَفِي اشْتِرَاطِ بَيَانِ الْوَصْفِ بَعْضُ الْحَرَجِ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ؛ لِهَذَا إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً.
أَوْ عَبْدًا لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الذُّكُورَ مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسٌ، وَالْإِنَاثُ كَذَلِكَ؛ وَلَكِنْ يَشْتَمِلُ عَلَى أَنْوَاعٍ: كَالْحَبَشِيِّ، وَالسِّنْدِيِّ، وَالْهِنْدِيِّ، وَالتُّرْكِيِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ النَّوْعَ وَلَمْ يُسَمِّ مِقْدَارَ الثَّمَنِ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ تَحْصِيلِهِ، فَيَنْفَرِدُ الْآمِرُ بِمَا سَمَّى لَهُ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا مُوَلَّدًا، أَوْ حَبَشِيًّا، أَوْ سِنْدِيًّا جَازَ؛ لِأَنَّ النَّوْعَ صَارَ مَعْلُومًا بِالتَّسْمِيَةِ؛ وَإِنَّمَا بَقِيَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْوَصْفِ، وَهِيَ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ، فَإِنَّ الْأَوْصَافَ ثَلَاثَةٌ: الْجُودَةُ، وَالْوَسَطُ، وَالرَّدَاءَةُ، وَهِيَ تَتَفَاوَتُ فِي نَوْعٍ وَاحِدٍ، فَكَانَ الْوَكِيلُ قَادِرًا عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْآمِرِ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يُسَمِّ النَّوْعَ وَسَمَّى الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ بِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ صَارَ النَّوْعُ مَعْلُومًا، فَإِنَّ مِقْدَارَ ثَمَنِ كُلِّ نَوْعٍ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ، فَيَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ رَقَبَةً، أَوْ مَمْلُوكًا، لَا تَجُوزُ لَهُ الْوَكَالَةُ، وَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ لِتَمَكُّنِ الْجَهَالَةِ فِي الْجِنْسِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الذُّكُورَ مَعَ الْإِنَاثِ مِنْ بَنِي آدَمَ.
جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ؛ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَنَافِعِ، فَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ إلَّا بِبَيَانِ الْجِنْسِ، وَإِذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ جَارِيَةٍ وَسَمَّى جِنْسَهَا وَثَمَنَهَا فَاشْتَرَاهَا لَهُ عَوْرَاءَ، أَوْ عَمْيَاءَ، أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، أَوْ إحْدَاهُمَا؛ أَوْ مُقْعَدَةً، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- إذَا اشْتَرَاهَا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، أَوْ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ فِي قَطْعَاءِ الْيَدِ وَالْعَوْرَاءِ، فَأَمَّا الْعَمْيَاءُ، وَالْمَقْطُوعَةُ الْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَالْمُقْعَدَةُ، فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْآمِرِ، وَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ، فَإِنَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْعُرْفَ وَالشِّرَاءَ، وَالْعَمْيَاءُ وَالْمُقْعَدَةُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ بَيْنَ النَّاسِ، فَأَمَّا الْعَوْرَاءُ فَمَعِيبَةٌ، وَشِرَاءُ الْمَعِيبِ مُتَعَارَفٌ تَوْضِيحُهُ: أَنَّ الْعَمَى وَقَطْعَ الْيَدَيْنِ يُفَوِّتُ مَنْفَعَةَ الْجِنْسِ، وَذَلِكَ اسْتِهْلَاكُ حُكْمٍ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالرَّقَبَةِ الْعَمْيَاءِ، فَأَمَّا الْعَوَرُ وَقَطْعُ إحْدَى الْيَدَيْنِ فَلَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّكْفِيرَ بِهِ يَصِحُّ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- بَنَى عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ، وَقَدْ سَمَّى لَهُ الْجَارِيَةَ مُطْلَقًا، وَاسْمُ الْجَارِيَةِ حَقِيقَةٌ فِي الْعَمْيَاءِ، وَمَقْطُوعَةِ، الْيَدَيْنِ، وَلَا يَثْبُتُ التَّقَيُّدُ بِالْعُرْفِ، لِأَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ، فَقَدْ يَشْتَرِي الْمَرْءُ رَقَبَةً عَمْيَاءَ، تَرَحُّمًا عَلَيْهَا، لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- أَوْ قَصْدًا إلَى وَلَائِهَا، أَوْ إلَى وَلَاءِ أَوْلَادِهَا، بِخِلَافِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَإِنَّ دَلِيلَ التَّقْيِيدِ هُنَاكَ قَدْ قَامَ، وَهُوَ أَنَّ الْكَفَّارَاتِ أَجْزِيَةُ الْأَفْعَالِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِلزَّجْرِ عَنْ ارْتِكَابِ أَسْبَابِهَا، وَلَا يَحْصُلُ الزَّجْرُ بِالْعَمْيَاءِ وَمَقْطُوعَةِ الْيَدَيْنِ.
وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً لِلْخِدْمَةِ، أَوْ عَبْدًا لِيُسَلِّمَهُ إلَى خَبَّازٍ، أَوْ عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ، فَاشْتَرَى أَعْمَى أَوْ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ، لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ؛ لِقِيَامِ دَلِيلِ التَّقْيِيدِ فِي لَفْظِهِ، وَهُوَ تَنْصِيصُهُ عَلَى عَمَلٍ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَى، وَمَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي جَارِيَةً أَطَؤُهَا، فَاشْتَرَى مَحْرَمًا مِنْ الْآمِرِ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ التَّقْيِيدِ فِي لَفْظِهِ مُخْتَصٌّ أَمْرِهِ بِجَارِيَةٍ، يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا.
قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ دَابَّةً، لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ سَمَّى الثَّمَنَ لَهُ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ اسْمٌ لِمَا دَبَّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَهِيَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ: كَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْجَهَالَةَ لِلْجِنْسِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ، وَأَنَّهَا لَا تَرْتَفِعُ بِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جِنْسٍ يُؤْخَذُ بِمَا سُمِّيَ مِنْ الثَّمَنِ.
وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي حِمَارًا، وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ صَارَ مَعْلُومًا بِالتَّسْمِيَةِ، وَإِنْ بَقِيَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْوَصْفِ، فَسَخَ الْوَكَالَةَ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ، فَإِنْ قِيلَ: لَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْحَمِيرَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَا يَصْلُحُ لِرُكُوبِ الْعُظَمَاءِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْحَمْلِ عَلَيْهَا، قُلْنَا: هَذَا اخْتِلَافُ الْوَصْفِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِمَعْرِفَةِ حَالِ الْمُوَكِّلِ، حَتَّى قَالُوا بِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ حِمَارًا فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَرْكَبُهُ مِثْلُهُ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ مَقْطُوعَ الذَّنَبِ، أَوْ الْأُذُنَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ الْفَالَيْرِيُّ بِذَلِكَ، وَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا، لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ سَمَّى الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَبِالتَّسْمِيَةِ لَا يَصِيرُ الْجِنْسُ مَعْلُومًا، وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي ثَوْبًا هَرَوِيًّا جَازَ عَلَى الْآمِرِ مَا اشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ إنَّمَا بَقِيَتْ فِي الصِّفَةِ، وَلَكِنْ إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ، إذَا اشْتَرَاهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَنْفِيذُ شِرَائِهِ عَلَى الْآمِرِ، لِمَا بَيَّنَّا، وَأَمْكَنَ تَنْفِيذُهُ عَلَى الْعَاقِدِ، فَصَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ سَمَّى ثَمَنًا فَزَادَ عَلَيْهِ شَيْئًا، لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا سَمَّى لَهُ إلَى مَا هُوَ أَضَرُّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْآمِرِ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ ثَوْبٌ يَهُودِيٌّ يُشْتَرَى لَهُ بِالثَّمَنِ لَا بِمَا دُونَهُ، وَالْجَيِّدُ يُشْتَرَى بِعَشَرَةٍ، فَإِذَا اُشْتُرِيَ بِثَمَانِيَةٍ كَانَ رَدِيئًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَصَفَ لَهُ صِفَةً وَسَمَّى لَهُ ثَمَنًا؛ فَاشْتَرَى بِتِلْكَ الصِّفَةِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مَقْصُودُهُ حِينَ اشْتَرَاهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ؛ وَخَالَفَهُ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ حِينَ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ، وَهَذَا لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ خِلَافًا.
وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا طَعَامًا، فَاشْتَرَى بِهَا لَحْمًا وَفَاكِهَةً، لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ، وَالْفَاكِهَةُ وَاللَّحْمُ مَطْعُومٌ، إلَّا أَنَّ جَوَازَهُ عَلَى طَرِيقَةِ النَّاسِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا فَوَّضَ الْأَمْرَ لِرَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ؛ لِأَنَّ الْمَطْعُومَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَبِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ لَا يَصِيرُ الْجِنْسُ مَعْلُومًا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ التَّوْكِيلُ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: التَّوْكِيلُ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الطَّعَامَ عِنْدَ ذِكْرِ الشِّرَاءِ، وَذَلِكَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْحِنْطَةَ وَدَقِيقَهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ سُوقَ الطَّعَامِ مَا يُبَاعُ فِيهِ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا، وَبَائِعُ الطَّعَامِ فِي النَّاسِ مَنْ يَبِيعُ الْحِنْطَةَ وَدَقِيقَهَا دُونَ مَنْ يَبِيعُ الْفَوَاكِهَ، فَصَارَ التَّقْيِيدُ الثَّابِتُ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ، ثُمَّ إنْ قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا خُبْزًا، وَإِنْ كَثُرَتْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا الْخُبْزَ؛ لِأَنَّ ادِّخَارَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، إنَّمَا يُمْكِنُ الِادِّخَارُ فِي الْحِنْطَةِ فَعِنْدَ كَثْرَةِ الدَّرَاهِمِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْخُبْزَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ قَدْ اتَّخَذَ وَلِيمَةً، فَحِينَئِذٍ يُعْلَمُ أَنَّ مُرَادَهُ الْخُبْزُ، وَإِنْ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ، وَجَعَلَ الدَّقِيقَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْخُبْزِ، وَقَالَ: إنَّمَا يَنْصَرِفُ الْقَلِيلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يُدَّخَرُ عَادَةً، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى جَعَلَ الدَّقِيقَ كَالْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ الدَّرَاهِمِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَدَّخِرُ الدَّقِيقَ كَمَا تُدَّخَرُ الْحِنْطَةُ، وَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا وَقَالَ: اشْتَرِ لِي حِنْطَةً فَاشْتَرَاهَا لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ الْقَدْرَ، وَجَهَالَةُ الْقَدْرِ فِي الْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ، كَجَهَالَةِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَكِيلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْآمِرِ بِمَا سَمَّى لَهُ.
وَإِنْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ دَارًا أَوْ لُؤْلُؤَةً، وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ اللَّآلِئَ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ، فَلَا يَقْدِرُ الْوَكِيلُ عَلَى تَحْصِيلِ اللَّآلِئِ بِمُطْلَقِ التَّسْمِيَةِ، وَكَذَلِكَ الدُّورُ فِي مَعْنَى الْأَنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ، وَبِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فِي الْبَلْدَةِ، وَبِقِلَّةِ الْمَرَافِقِ.
وَكَثْرَتِهَا؛ وَبِصَلَاحِ الْجِيرَانِ وَفَسَادِهِمْ، وَبِالسَّعَةِ وَالضِّيقِ، فَلَا يَقْدِرُ الْوَكِيلُ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْآمِرِ الْمُوَكِّلِ بِمَا سَمَّى لَهُ، قَالَ: وَإِنْ سَمَّى الثَّمَنَ جَازَ، وَبِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ يَصِيرُ مَعْلُومًا عَادَةً، وَإِنْ بَقِيَتْ جَهَالَةٌ فَهِيَ يَسِيرَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ.
وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمُ اللَّهُ- يَقُولُونَ فِي دِيَارِنَا: لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّ الدُّورَ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ تَتَفَاوَتُ فِي الْقِيمَةِ، وَتُوجَدُ بِمَا سَمَّى لَهُ مِنْ الثَّمَنِ الدَّارُ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ، وَمَقْصُودُ الْآمِرِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ، فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْمَحَلَّةِ.
قَالَ وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ حُرًّا مُسْلِمًا، وَأَبُوهُ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا ارْتَدَّ عَنْ الذِّمَّةِ وَلَحِقَ بِدَارُ الْحَرْبِ، أَوْ مُسْتَأْمَنًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ أَحَدِهِمْ عَلَيْهِ بِبَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ وَلَا تَزْوِيجٍ وَلَا خُصُومَةٍ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالتَّصَرُّفِ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ يُبَاشِرُ التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ، وَمَلَكَ الْأَبُ مُبَاشَرَةَ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ وَلَدِهِ بِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَالرِّقُّ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ، وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا مَانِعٌ مِنْ ثُبُوتِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ عَتَقَ بَعْدَ ذَلِكَ أُجِيزَ مَا مُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْعِتْقِ تَثْبُتُ مَقْصُورَةً عَلَى الْحَالِ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي تَنْفِيذِ تَصَرُّفِهِ سَبْقُ ثُبُوتِ وِلَايَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُرْتَدًّا عَنْ الْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ عَلَيْهِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُسْلِمَ، فَإِنْ أَسْلَمَ جَازَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يَتَوَقَّفُ بَيْنَ أَنْ يَنْفُذَ بِالْإِسْلَامِ أَوْ يَبْطُلَ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ، فَكَذَلِكَ فِي حَقٍّ عَلَيْهِ، وَالْوَلَدُ الْكَبِيرُ إذَا كَانَ ذَاهِبَ الْعَقْلِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ التَّصَرُّفِ لِانْعِدَامِ عَقْلِهِ، فَكَانَ مُوَلًّى عَلَيْهِ كَالصَّبِيِّ قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَ أَبُو الصَّبِيِّ وَكِيلًا بِبَيْعِ مَتَاعِ الصَّبِيِّ وَوَارِثُهُ الْأَبُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، إلَّا عِنْدَ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فَإِنَّهُ يَقُولُ: ثُبُوتُ الْوَكَالَةِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ لِذَلِكَ التَّصَرُّفِ، وَقَدْ بَقِيَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الصَّبِيِّ، وَازْدَادَ بِتَقَرُّرِ مِلْكِ الْأَبِ فِي الْمَحَلِّ.
لَكِنَّا نَقُولُ: الْأَبُ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ كَانَ نَائِبًا عَنْ الصَّبِيِّ، وَقَدْ انْتَهَتْ هَذِهِ النِّيَابَةُ بِمَوْتِ الصَّبِيِّ وَتَوْضِيحُهُ: أَنَّ الْأَبَ فِي هَذِهِ الْوَكَالَةِ إنَّمَا رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِ الصَّبِيِّ، وَرِضَاهُ بِزَوَالِ مِلْكِ الصَّبِيِّ لَا يَكُونُ رِضًا بِزَوَالِ مِلْكِ نَفْسِهِ، فَإِذَا صَارَ الْمِلْكُ لَهُ بِالْإِرْثِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَمُتْ الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّ رَأْيَ الْأَبَ قَدْ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ، وَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ كَانَ بِاعْتِبَارِ رَأْيِ الْمُوَكِّلِ وَنَفَاذِ وِلَايَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَالَ عَقْلُ الْأَبِ أَوْ ارْتَدَّ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ قَدْ زَالَتْ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، حَتَّى لَا يَمْلِكَ ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ، فَإِنْ أَسْلَمَ، لَمْ يُعِدْ الْوَكَالَةَ بِمَنْزِلَةِ وَكَالَتِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ، تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعُودُ بِإِسْلَامِهِ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ فِي تَوْكِيلِهِ بِالتَّصَرُّفِ لِوَلَدِهِ.
قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ بِبَيْعِ شَيْءٍ، أَوْ شِرَائِهِ، أَوْ تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، أَوْ بِخُلْعٍ، أَوْ بِمُكَاتَبَةٍ، أَوْ عِتْقٍ عَلَى مَالٍ، فَفَعَلَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَرِضَاهُ بِرَأْيِ الْمُسَمَّى لَا يَكُونُ إلَّا بِرَأْيِ الْوَاحِدِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ سَمَّى الْبَدَلَ أَوْ لَمْ يُسَمِّ؛ لِأَنَّ بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ يُمْنَعُ النُّقْصَانُ، وَلَا تُمْنَعُ الزِّيَادَةُ، وَلَوْ حَضَرَ وَلِيُّهُمَا جَمِيعًا رُبَّمَا يَزِيدَانِ فِي الْبَدَلِ فَيَنْتَفِعُ الْمُوَكِّلُ بِذَلِكَ؛ فَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ التَّصَرُّفُ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ لَهُمَا مَالًا فَزَوَّجَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، أَوْ طَلَّقَا امْرَأَتَهُ عَلَى دِرْهَمٍ، أَوْ أَعْتَقَا الْعَبْدَ أَوْ كَاتَبَاهُ عَلَى دِرْهَمٍ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- لِلْأَصْلِ الَّذِي قُلْنَا إنَّهُ يُعْمَلُ بِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى التَّقْيِيدِ، وَهُوَ التُّهْمَةُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ، لِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ.
قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدَيْنِ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَبَاعَ أَحَدَهُمَا بِأَرْبَعِمِائَةٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ حِصَّتَهُ مِنْ الْأَلْفِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ فِي الْبَيْعِ إضْرَارٌ بِالْمُوَكِّلِ، فَرُبَّمَا لَا يَجِدُ مُشْتَرِيًا يَرْغَبُ فِي شِرَائِهِمَا جُمْلَةً، فَلَمَّا وَكَّلَهُ بِذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِمَا قُلْنَا كَانَ رَاضِيًا بِبَيْعِهِ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ دَلَالَةً، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ حِصَّتِهِ وَفِيهِ زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ بَاعَ أَحَدَهُمَا بِأَقَلَّ مِنْ حِصَّتِهِ لَمْ يَجُزْ، وَسَوَّى فِي الْكِتَابِ بَيْنَ النُّقْصَانِ الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ يَسِيرًا جَازَ، وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا سَمَّى الثَّمَنَ بِمُقَابَلَتِهِمَا جُمْلَةً، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا طَرِيقُ مَعْرِفَةِ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَزْرُ وَالظَّنُّ دُونَ الْيَقِينِ، وَفِي مِثْلِهِ لَا يُمْكِنُ التَّجَوُّزُ عَنْ النُّقْصَانِ الْيَسِيرِ، فَجُعِلَ عَفْوًا.
كَمَا لَوْ لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ لِلْوَكِيلِ فَبَاعَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ جَازَ بَيْعُهُ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقُولُ: تَنْصِيصُهُ عَلَى ثَمَنِهَا فِي الْوَكَالَةِ يَكُونُ تَنْصِيصًا عَلَى حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحِصَّتِهِ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا رَدَّهُ بِحِصَّتِهِ، وَعِنْدَ التَّنْصِيصِ عَلَى الثَّمَنِ إذَا نَقَصَ الْوَكِيلُ عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ يَصِيرُ مُخَالِفًا سَوَاءٌ قَلَّ النُّقْصَانُ أَوْ كَثُرَ.
كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ إلَّا دِرْهَمًا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِسِتِّمِائَةٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حِصَّتَهُ مِنْ الْأَلْفِ، أَوْ أَقَلَّ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ حِصَّتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ، وَصَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَهَذَا وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ شِرَائِهِمَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِصَّتِهِ.
وَإِنْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُ فَبَاعَ نِصْفَهُ مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ بَاعَ النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ حَصَّلَ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ بِمَا صَنَعَ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْعَقْدَيْنِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْعَقْدِ الْوَاحِدِ، فَرُبَّمَا لَا يَجِدُ مُشْتَرِيًا يَشْتَرِيه جُمْلَةً، فَيَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيقِ الْعَقْدِ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ، فَإِنْ بَاعَ نِصْفَهُ، وَلَمْ يَبِعْ مَا بَقِيَ، لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- وَجَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فَهُمَا يَقُولَانِ: بَيْعُ النِّصْفِ يَضُرُّ بِالْمُوَكِّلِ فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَعَّضُ عَلَيْهِ الْمِلْكُ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُجْتَمِعَةِ عَيْبٌ، وَأَمْرُهُ إيَّاهُ بِالْبَيْعِ لَا يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِتَعَيُّبِ مِلْكِهِ؛ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ مَا بَقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَحِينَئِذٍ قَدْ زَالَ الضَّرَرُ عَنْهُ وَحَصَلَ مَقْصُودُهُ فَيَجُوزُ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقُولُ: الْوَكِيلُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ، وَالْمُوَكِّلُ مَالِكٌ لِبَيْعِ الْبَعْضِ كَمَا هُوَ مَالِكٌ لِبَيْعِ الْكُلِّ، فَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْجُزْءِ بَاطِلٌ وَاعْتِبَارَ الْكُلِّ صَحِيحٌ، ثُمَّ فِي تَصَرُّفِهِ فِي هَذَا مَنْفَعَةٌ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْكُلَّ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ النِّصْفَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- كَمَا بَيَّنَّا.
فَإِذَا بَاعَ الْبَعْضَ بِهِ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الثَّمَنِ، وَبَقِيَ بَعْضُ الْعَبْدِ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا، فَاشْتَرَى بَعْضَهُ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ كُلُّهُ عَلَى الْآمِرِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ جَانِبِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-
يُفَرِّقُ فَيَقُولُ: الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَوْ اشْتَرَى بِالزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَالتُّهْمَةُ تَتَمَكَّنُ فِي جَانِبِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، فَلَعَلَّهُ اشْتَرَى النِّصْفَ لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ أَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَلَى الْآمِرِ، تَوْضِيحُ الْفَرْقِ: أَنَّ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِتَسْمِيَةِ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الْعَبْدِ لَيْسَ بِعَبْدٍ، فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُمْتَثِلًا أَمْرَ الْآمِرِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ، فَأَمَّا فِي جَانِبِ الْبَيْعِ فَصِحَّةُ التَّوْكِيلِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ لِلْغَيْرِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْبَعْضِ وَالْكُلِّ.
ثُمَّ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا اشْتَرَى النِّصْفَ تَوَقَّفَ شِرَاؤُهُ عَلَى رِضَا الْآمِرِ.
عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُوَكِّلُ عَنْ نَفْسِهِ يَجُوزُ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ حَقَّا لَوْ أَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَقِيَ، فَحِينَئِذٍ يَتَحَوَّلُ إلَى الْآمِرِ، فَأَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقُولُ: مَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ حُصُولُ مِلْكِ الْغَيْرِ لَهُ، وَالْقَدْرُ الَّذِي حَصَلَ مِنْ جُمْلَةِ مَقْصُودِهِ وَلَكِنَّهُ مَعِيبٌ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ، فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ لَهُ، وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِلْعَيْبِ، فَإِذَا قَدِمَ عَلَى الْعِتْقِ صَارَ مُسْقِطًا لِخِيَارِهِ، فَيَنْفُذُ الْعِتْقُ مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا رَدَّهُ يَصِيرُ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ حِينَئِذٍ.
كَمَا لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، فَرَدَّهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ، وَالنِّصْفُ لَيْسَ بِعَبْدٍ، وَلَكِنَّهُ يُفْرَضُ أَنْ يَصِيرَ مُوَافِقًا بِشِرَاءِ مَا بَقِيَ، فَقُبِلَ وُجُودُ هَذَا لِمُوَافَقَتِهِ، وَكَانَ خِلَافُهُ ظَاهِرًا، وَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، فَنَفَذَ عِتْقُهُ مِنْ جِهَتِهِ.
وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ- بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِأَلْفٍ، إذَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ يَتَقَرَّرُ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ، حَتَّى إنَّهُ وَإِنْ حَطَّ الْبَائِعُ أَحَدَ الْأَلْفَيْنِ لَا يَصِيرُ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ، وَهُنَا لَوْ اشْتَرَى مَا بَقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ كَانَ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ غَرَضَهُ الْمُوَافَقَةُ هُنَاكَ، بِاعْتِبَارِ مَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ عَقْدُ الْوَكَالَةِ، وَهُوَ حَطُّ الْأَلْفِ الزَّائِدِ، فَلَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا، وَهُنَا غَرَضُهُ الْمُوَافَقَةُ بِاعْتِبَارِ مَا تَنَاوَلَتْهُ الْوَكَالَةُ، وَهُوَ شِرَاءُ النِّصْفِ الْبَاقِي؛ فَلِهَذَا كَانَ مُعْتَبَرًا قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِبَيْعِ شَيْءٍ، وَأَحَدُهُمَا عَبْدٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، أَوْ صَبِيٌّ، لَمْ يَجُزْ لِلْآخَرِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِبَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ، حَتَّى ضَمَّ إلَيْهِ رَأْيَ الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَا حُرَّيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا، وَالْآخَرُ حَاضِرٌ، فَأَجَازَ الْبَيْعَ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ بِرَأْيِهِمَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ فُضُولِيٌّ فَأَجَازَهُ جَازَ، وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا وَأَجَازَهُ الْآخَرُ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ.
قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ خَادِمَةٍ لَهُ فَبَاعَهَا، ثُمَّ أَقَالَ الْبَيْعَ الْبَائِعُ فِيهَا، لَزِمَهُ الْمَالُ وَالْخَادِمُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ مُبْتَدَأٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، فَهُوَ شِرَاءٌ مُبْتَدَأٌ، وَلِلْمُوَكِّلِ غَيْرُهُمَا فَيُجْعَلُ فِي حَقِّهِمَا حَقُّهُ، كَأَنَّ الْوَكِيلَ اشْتَرَاهُ ابْتِدَاءً، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ عَيْبٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ، وَلَوْ وَكَّلَ الصَّبِيَّ بِبَيْعِ خَادِمٍ فَبَاعَهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ لَهُ عِبَارَةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا، حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِتَوْكِيلِ الْمَالِكِ إيَّاهُ بِذَلِكَ؛ وَهَذَا لِأَنَّ اعْتِبَارَ عِبَارَتِهِ بِتَمَحُّضِ مَنْفَعَةٍ لَهُ فِيهِ يَمْتَازُ الْآدَمِيُّ مِنْ الْبَهَائِمِ، وَيَحْصُلُ لَهُ بِهَذَا التَّصَرُّفِ مَعْنَى التَّجْرِبَةِ، فَيَصِيرُ مُهْتَدِيًا إلَى التَّصَرُّفَاتِ، عَالِمًا بِطُرُقِ التَّحَرُّزِ عَنْ أَسْبَابِ الْغَبْنِ، وَذَلِكَ مَحْضُ مَنْفَعَةٍ لَهُ، ثُمَّ الْعُهْدَةُ عَلَى الْآمِرِ إذَا لَمْ يَكُنْ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّ فِي إلْزَامِ الْعُهْدَةِ إيَّاهُ ضَرَرًا، وَالصَّبِيُّ يُبْعَدُ عَنْ الْمَضَارِّ، فَإِذَا تَعَذَّرَ إيجَابُ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ تَعَلَّقَ بِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَهُوَ مَنْ انْتَفَعَ بِهَذَا التَّصَرُّفِ، وَهُوَ الْآمِرُ فَكَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ، فَحِينَئِذٍ تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ فِي الْتِزَامِ الْعُهْدَةِ بِالتَّصَرُّفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ فِيمَا يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ، فَكَذَلِكَ فِيمَا يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ، وَالْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ؛ يَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْعَبْدِ مُلْزِمٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ؛ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ مُلْزِمًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ بِالْعِتْقِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ لَيْسَ بِمُلْزَمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ؛ فَلِهَذَا لَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ مَجْنُونًا لَا يَعْقِلُ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَوْلٌ مُعْتَبَرٌ، فَرُكْنُ التَّصَرُّفِ: الْقَوْلُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مُرْتَدًّا جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَلَكِنْ يُوقَفُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فَإِنْ أَسْلَمَ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَالْعُهْدَةُ عَلَى الْآمِرِ، وَعِنْدَهُمَا الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ يُظْهِرُ اخْتِلَافَهُمْ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ لِنَفْسِهِ بَيْعًا أَوْ شِرَاءً.
وَلَوْ وَكَّلَ الصَّبِيَّ أَوْ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ بِثَمَنٍ مُسَمًّى فَاشْتَرَاهُ فَالثَّمَنُ لَازِمٌ عَلَى الْآمِرِ دُونَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ مَا لَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْمَحْجُورَ لَا يَمْلِكُ الْتِزَامَ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، فَإِذَا تَعَذَّرَ إيجَابُ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا وَجَبَ عَلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ الْمِلْكُ، وَهُوَ الْآمِرُ، وَصَارَ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ بِالشِّرَاءِ، فَيَجِبُ الثَّمَنُ عَلَى الْمُرْسِلِ، وَلَوْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ لَزِمَهُمَا الثَّمَنُ، وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ الْتِزَامَ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِمَا بِتَصَرُّفِهِمَا لِأَنْفُسِهِمَا، فَكَذَلِكَ لِلْغَيْرِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ.
وَأَوْرَدَ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَقَالَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَلْزَمُهُمَا الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهُمَا مُلْتَزِمَانِ الثَّمَنَ لِمَنْفَعَةٍ لِغَيْرِهِمَا، فَكَانَ هَذَا مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ، وَكَفَالَةُ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَا تَصِحُّ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: هَذَا مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ؛ لِأَنَّ التَّعَارُفَ بَيْنَ التُّجَّارِ فِي التَّصَرُّفَاتِ ظَاهِرٌ، فَإِذَا لَمْ يَتَوَكَّلْ هُوَ عَنْ الْغَيْرِ لَا يَتَوَكَّلُ الْغَيْرُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَفِيمَا هُوَ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ الْمَأْذُونِ مُنْفَكٌّ الْحَجْرُ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ.
تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَكُونُ فِي يَدِهِ فَيَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ الْآمِرِ، فَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ حَتَّى لَوْ وُكِّلَ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ، يَقُولُ لَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ بِالثَّمَنِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ مِنْهُ.
قَالَ: وَإِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَوْ لِابْنِهِ فِي التِّجَارَةِ، ثُمَّ ذَهَبَ عَقْلُهُ، وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ، انْقَطَعَ إذْنُهُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ تَصَرُّفِ الْمَأْذُونِ بِرَأْيِ الْآذِنِ، وَالْجُنُونُ الْمُطْبِقُ قَدْ قَطَعَ رَأْيَهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ، وَلَوْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ، أَوْ عَتَاقٍ، أَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا، ثُمَّ أَصَابَهُ الْجُنُونُ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَبْطُلْ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ قَدْ لَزِمَهُ فِي حَالِ عَقْلِهِ وَكَمَالِهِ، فَلَا يَبْطُلُ بِجُنُونِهِ، وَهُنَا بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، حَتَّى لَوْ كَانَ مَالِكًا لِلْحَجْرِ عَلَى الْمَأْذُونِ لَبَطَلَ إذْنُهُ بِجُنُونِهِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ تَصَرُّفِ الْمَأْذُونِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَتَقَوَّى رَأْيُهُ بِرَأْيِ وَلِيِّهِ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْبُلُوغِ فِي حَقِّهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِجُنُونِ الْوَلِيِّ، فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ، ثُمَّ ذَهَبَ عَقْلُ الْوَكِيلِ وَاخْتَلَطَ، ثُمَّ اشْتَرَى وَبَاعَ لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ الثَّمَنُ، وَلَزِمَ الْآمِرَ، أَمَّا فِي نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ عَلَى الْآمِرِ، فَرِوَايَتَانِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، قَالَ: يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ جُنُونَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَوْ اقْتَرَنَ بِالْوَكَالَةِ لَمَنَعَ صِحَّتَهَا، وَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهَا فَلَأَنْ يَمْنَعَ بَقَاءَهَا كَانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ يَقُولُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ إنَّمَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِ فِي حَالِ كَمَالِ عَقْلِهِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ رِضًا بِتَصَرُّفِهِ بَعْدَ اخْتِلَاطِ عَقْلِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ ابْتِدَاءً فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِ مَعَ اخْتِلَاطِ عَقْلِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ نُفُوذُ التَّصَرُّفِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، قُلْنَا: الْعُهْدَةُ تَكُونُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ أَوَانَ لُزُومِ الْعُهْدَةِ وَقْتُ مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفِ، لَا وَقْتُ التَّوْكِيلِ، وَهُوَ ذَاهِبُ الْعَقْلِ، فَكَأَنَّ التَّوْكِيلَ وُجِدَ فِي هَذِهِ الْحَالِ.
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ؛ وَكَّلَ رَجُلًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ شَيْئًا، فَاشْتَرَى لَهُ، لَزِمَ الْوَكِيلَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ بِهِ، صَارَ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ تَسْبِقْ الْوَكَالَةُ، وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلَانِ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُمَا، فَبَاعَ نِصْفَهُ، وَقَالَ: هَذَا نِصْفُ فُلَانٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَيْعِ النِّصْفَيْنِ، وَالْوَكِيلُ مُعِيرٌ مَنَافِعَهُ لِلْمُوَكِّلِ، فَيَمْلِكُ تَعْيِينَ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ الْبَيْعِ أَيَّ النِّصْفَيْنِ يَبِيعُ جَازَ بَيْعُهُ مِنْ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ سَمَّى النِّصْفَ مُطْلَقًا عِنْدَ الْبَيْعِ، فَلَيْسَ صَرْفُهُ إلَى نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إلَى الْآخَرِ، فَيَشِيعُ فِي النِّصْفَيْنِ جَمِيعًا، وَإِذَا شَاعَ فِيهِمَا بِحُكْمِ الْمُعَارَضَةِ لَمْ يَجُزْ فِي شَيْءٍ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِبَيْعِ النِّصْفِ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ نِصْفِ النِّصْفِ عِنْدَهُمَا، كَمَا أَنَّ الْوَكِيلَ بِبَيْعِ الْكُلِّ مِنْ وَاحِدٍ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ النِّصْفِ، وَفِي، قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الْعَبْدِ، يَمْلِكُ بَيْعَ نِصْفِهِ، فَيُمْكِنُ تَنْفِيذُ بَيْعِهِ هُنَا فِي نِصْفِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ وَإِنْ لَمْ يَخْتَصِمُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى بَاعَ النِّصْفَ الْآخَرَ؛ جَازَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ مَقْصُودُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَلَا يُنْظَرُ إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مَعَ ذَلِكَ وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْآمِرُ: أَمَرْتُكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ قَالَ: أَمَرْتُكَ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِحِنْطَةٍ، أَوْ بِشَعِيرٍ، أَوْ بَاعَهُ بِنَسِيئَةٍ، فَقَالَ الْآمِرُ: أَمَرْتُكَ بِالْحَالِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَوْ أَنْكَرَ الْإِذْنَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِصِفَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْخُلْعُ وَالنِّكَاحُ وَالْمُكَاتَبَةُ كُلُّهُ عَلَى هَذَا.
وَإِذَا قَالَ الْآمِرُ لِلْوَكِيلِ: قَدْ أَخْرَجْتُكَ عَنْ الْوَكَالَةِ، فَقَالَ الْوَكِيلُ: لَقَدْ بِعْتُهُ أَمْسِ لَمْ يُصَدَّقْ الْوَكِيلُ، لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَقَرَّ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ بَعْدَ مَا صَارَ مَعْزُولًا، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ أَيْضًا، وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ، فَقَالَ الْآمِرُ: قَدْ أَخْرَجْتُكَ مِنْ الْوَكَالَةِ، جَازَ الْبَيْعُ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَقَرَّ بِهِ حَالَ بَقَاءِ الْوَكَالَةِ، لِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَصَحَّ إقْرَارُهُ، وَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِالْعَزْلِ بَعْدَهُ؛ وَإِذَا اتَّصَلَ التَّصْدِيقُ بِالْإِقْرَارِ كَانَ كَالْمَوْجُودِ يَوْمئِذٍ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُ فَبَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ، وَالْإِعْتَاقُ غَيْرُ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ إبْطَالٌ لِلْمِلْكِ، وَالْبَيْعُ نَاقِلٌ أَوْ مُوجِبٌ الْمِلْكَ لِلْغَيْرِ؛ أَوْ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُوجِبُ الْوَكَالَةَ لِلْمُوَكِّلِ، وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُلْزِمَهُ الْوَلَاءَ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ قَرِيبِ الْعَبْدِ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ مُطْلَقٌ، ثُمَّ الْعِتْقُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْقَرِيبِ بِالشِّرَاءِ، فَلَا يَخْرُجُ بِهِ الْبَيْعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا فِي حَقِّ الْبَائِعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِيجَابِ هُنَا قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ هُنَا وَلَاءٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ وَلَاؤُهُ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى بَيْعِهِ، فَبَاعَهُ، وَلَمْ يُشْهِدْ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا، وَأَمْرُهُ بِالْإِشْهَادِ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ، فَلَا يَخْرُجُ بِهِ الْأَمْرُ بِالْبَيْعِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ- عَزَّ وَجَلَّ- أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الْبَيْعِ، فَقَالَ- تَعَالَى-: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ}، ثُمَّ مَنْ بَاعَ، وَلَمْ يُشْهِدْ كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا.
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِرَهْنِ ثِقَةٍ بِنَسِيئَةٍ، فَبَاعَهُ بِغَيْرِ رَهْنٍ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ لِلْإِلْصَاقِ، وَإِلْصَاقُ الْبَيْعِ بِالرَّهْنِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالشَّرْطِ، فَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِبَيْعِ مُقَيَّدٍ بِشَرْطٍ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ الشَّرْطِ كَانَ مُخَالِفًا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَهُ مِنْ فُلَانٍ بِكَفِيلٍ ثِقَةٍ، فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ كَفِيلٍ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعٍ مُقَيَّدٍ، وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ بَيْعٌ مُطْلَقٌ، وَالْمُطْلَقُ غَيْرُ الْمُقَيَّدِ، وَفِي شِرَاءِ الْكَفِيلِ وَالرَّهْنِ مَنْفَعَةٌ مُعْتَبَرَةٌ لِلْمُوَكِّلِ، وَهُوَ التَّوَثُّقُ بِحَقِّهِ، فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُفَوِّتَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ، وَمَنْ أَوْجَبَ لِغَيْرِهِ بَيْعًا بِشَرْطِ رَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقْبَلَ بِدُونِ ذَلِكَ الشَّرْطِ، فَهَذَا مِثْلُهُ، فَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ: لَمْ يَأْمُرْنِي بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَدَبَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ، فَبَاعَهُ مِنْهُ وَمِنْ آخَرَ، جَازَ فِي النِّصْفِ الَّذِي بَاعَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ فِي الَّذِي بَاعَهُ لِلْآخَرِ مُخَالِفٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْكُلَّ مِنْ الْآخَرِ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، فَإِذَا بَاعَ مِنْ الَّذِي سَمَّى لَهُ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ بِبَيْعِ النِّصْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فَلِهَذَا جَازَ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ، قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَهُ وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْآمِرِ؛ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ، وَكُلٌّ يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِلْمُوَكِّلِ، كَاشْتِرَاطِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِزُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مَعْرُوفَةٌ، ثُمَّ لَا ضَرَرَ عَلَى الْآمِرِ فِي هَذَا الشَّرْطِ، بَلْ فِيهِ نَفْعٌ لَهُ، وَالْوَكِيلُ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا بِمَا يُرَادُ فِيهِ مَنْفَعَةُ الْآمِرِ، وَإِذَا قَبِلَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ، بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ بِخِيَارِ شَرْطٍ، أَوْ رُؤْيَةٍ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِهَذَا فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْفَرِدُ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِعَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ هُنَا فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ؛ حَتَّى يَنْفَرِدَ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَنْفَرِدُ بِالْإِقَالَةِ، فَكَانَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ مُعْتَمَدُهُ التَّرَاضِي؛ فَيَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْآمِرِ.
وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ مِنْ أَبِي الْآمِرِ، أَوْ ابْنِهِ، أَوْ مُكَاتَبِهِ، أَوْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ الْمَدْيُونِ، جَازَ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ؛ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وُصْلَةٌ، وَكَانَ بَيْعُ الْوَكِيلِ مِنْ هَؤُلَاءِ كَبَيْعِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ، الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، لَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا، فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ مِنْ هَؤُلَاءِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ؛ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ؛ اعْتِبَارًا لِبَيْعِ الْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ شَرْعِيٌّ، فَيُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُفِيدًا، وَلَا يُعْتَبَرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا، وَإِذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، فَبَيْعُهُ الْكَسْبَ مِنْ هَؤُلَاءِ مُفِيدٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ قَالَ: وَإِذَا أَمَرَ الرَّجُلُ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُ، وَدَفَعَهُ إلَيْهِ، فَقَالَ الْوَكِيلُ: قَدْ بِعْتُهُ مِنْ هَذَا، وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ، وَهَلَكَ عِنْدِي، وَادَّعَى الْمُشْتَرِي ذَلِكَ- فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْوَكِيلُ مُصَدَّقٌ فِيهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْبَيْعِ، وَقَبْضِ الثَّمَنِ، وَقَدْ أُجْبِرَ بِمَا جُعِلَ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ؛ فِي حَالِ قِيَامِ التَّسْلِيطِ، وَلَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي جَبْرِهِ، وَهُوَ أَمِينٌ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ.
فَإِذَا أَخْبَرَ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فِيهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ.
وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ قَدْ مَاتَ، وَقَالَ وَرَثَتُهُ: لَمْ نَسْمَعْ، وَقَالَ الْوَكِيلُ: قَدْ بِعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَبَضْته، وَهَلَكَ عِنْدِي، وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ؛ لَمْ يُصَدَّقْ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ فِي حَالٍ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ يُعْزَلُ بِمَوْتِ الْآمِرِ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي الظَّاهِرِ، وَلَمْ يُسَلِّطْهُ الْوَارِثُ عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ؛ فَلَا قَوْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِهِ حَالَ حَيَاةِ الْآمِرِ، وَلَكِنْ إنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ فِي حَيَاةِ الْآمِرِ؛ كَانَ الْعَبْدُ لَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ مَعَ يَمِينِهِمْ عَلَى الْعِلْمِ، فَإِذَا أَخَذَتْ الْوَرَثَةُ الْعَبْدَ؛ ضَمِنَ الْوَكِيلُ الْمَالَ لِلْمُشْتَرِي بِإِقْرَارِهِ بِقَبْضِهِ مِنْهُ عِوَضًا عَنْ الْيَمِينِ، وَقَدْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي، فَكَانَ ضَامِنًا لَهُ مَا قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْتَهْلَكًا؛ فَالْوَكِيلُ يُصَدَّقُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ اسْتِحْسَانًا.
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُصَدَّقُ؛ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ: أَنَّهُ قَدْ انْعَزَلَ بِمَوْتِ الْآمِرِ، وَإِنَّ بَدَلَهُ، وَهُوَ الْقِيمَةُ؛ صَارَ مِلْكًا لِلْوَارِثِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقَبْضِهِ الْعَبْدَ، أَوْ بِاسْتِهْلَاكِهِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ فِي إبْطَالِ مِلْكِهِمْ.
وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّ الْوَكِيلَ بِمَا يُخْبِرُ هُنَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ كَانَ أَمِينًا فِي هَذَا الْعَبْدِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ مَقْبُولًا مَعَ يَمِينِهِ، فِيمَا يَنْفِي الضَّمَانَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ قِيَامِ الْعَبْدِ، فَإِنَّهُ يُزِيلُ مِلْكًا ظَاهِرًا لِلْوَارِثِ فِي الْعَبْدِ، وَهُوَ لَيْسَ بِأَمِينٍ فِي ذَلِكَ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِهَذَا.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ أَمَةٍ لَهُ؛ فَبَاعَهَا الْمُوَكِّلُ، أَوْ كَاتَبَهَا، أَوْ وَهَبَهَا وَسَلَّمَهَا؛ فَذَلِكَ نَقْضٌ لِلْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَعَلَّقَتْ بِمِلْكِ الْمُوَكِّلِ، وَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ بِالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالتَّسْلِيمِ، فَلَا تَبْقَى الْوَكَالَةُ بِدُونِ الْمَحَلِّ، وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ، فَلَا تَبْقَى الْوَكَالَةُ بَعْدَ خُرُوجِ الْمَحَلِّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلتَّصَرُّفِ، كَمَا لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً.
وَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا الْمُوَكِّلُ، أَوْ وَطِئَهَا وَلَمْ تَلِدْ وَلَدًا مِنْهُ- فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ مَحَلٌّ لِلتَّصَرُّفِ الَّذِي وُكِّلَ الْوَكِيلُ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَّرَهَا، أَوْ رَهَنَهَا الْمُوَكِّلُ- فَإِنَّ الْوَكِيلَ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى رِضَا الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ لِلُزُومِ الْبَيْعِ فِيهِمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ مِنْ الْآمِرِ صَحِيحٌ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَالْإِجَارَةِ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَهَا بِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَهَا؛ نَفَذَ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا تُوقَفُ لِحَقِّ الْغَيْرِ، حَتَّى إذَا سَقَطَ حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ؛ كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا نَافِذًا، فَكَذَلِكَ تَوْكِيلُهُ بِبَيْعِهَا يَصِحُّ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَيَبْقَى صَحِيحًا، وَلَوْ بَاعَهَا الْوَكِيلُ، أَوْ الْآمِرُ، ثُمَّ رُدَّتْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ- فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهَا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ، فَعَادَتْ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ، وَانْتِقَاضُ الْوَكَالَةِ كَانَ حُكْمًا لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا عَادَ مِلْكُهُ عَادَتْ الْوَكَالَةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الرَّدُّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ، كَانَ لِلْبَائِعِ، أَوْ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ بِفَسَادِ الْبَيْعِ، أَوْ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ تَفْسَخُ الْعَقْدَ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنْ قَبِلَهَا الْمُوَكِّلُ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي- لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ بَيْعُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذَا السَّبَبَ كَالْعَقْدِ الْمُبْتَدَأِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَالْوَكِيلُ غَيْرُهُمَا، فَكَانَ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ كَانَ الْمُوَكِّلُ اشْتَرَاهَا ابْتِدَاءً، وَكَذَلِكَ إنْ رَجَعَتْ إلَى الْمُوَكِّلِ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا بِمِلْكٍ جَدِيدٍ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ بَيْعُهَا لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَعَلَّقَتْ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ سِوَى الْأَوَّلِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْوَكَالَةِ، إلَّا بِتَجْدِيدِ تَوْكِيلٍ مِنْ الْمَالِكِ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً- كَانَ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا صَالِحًا لِهَذَا التَّصَرُّفِ، بِمَا أَحْدَثَهُ الْمُوَكِّلُ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ الْمُوَكِّلُ بِهَذَا الْفِعْلِ عَنْ صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ، فَبَقَاءُ الْوَكَالَةِ أَوْلَى، وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ، ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي، فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَدِّيَ جَمِيعَ الثَّمَنِ، وَيَأْخُذَ الْعَبْدَ، وَيَتْبَعَ الْوَكِيلَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ، وَيَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ لَيْسَ مِمَّا اقْتَضَتْهُ الْوَكَالَةُ فَكَانَ الْوَكِيلُ فِيهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ، نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ بَاعَهُ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ بِقَطْعِ يَدِهِ، قُلْنَا: هُوَ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ، وَقَطْعُ الْيَدِ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ فِي شَيْءٍ، فَكَانَ هُوَ فِيهَا كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَبَّلَهُ، أَوْ اسْتَخْدَمَهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ- فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُضَمِّنَ الْوَكِيلَ الْقِيمَةَ، وَيُعْطِيَهُ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَيْسَ مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ الْوَكَالَةُ، وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ عَقْدِ الْوَكِيلِ، فَيَكُونُ الْوَكِيلُ فِيهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ.
وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ هَذَا، وَوَكَّلَ آخَرَ بِهِ أَيْضًا- فَأَيُّهُمَا بَاعَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ، حِينَ وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِ وَحْدَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّيْنِ إذَا أَوْصَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي عَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ حَيْثُ لَا يَنْفَرِدُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ صَارَا وَصِيَّيْنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَهُنَا حُكْمُ الْوَكَالَةِ يَثْبُتُ بِنَفْسِ التَّوْكِيلِ، فَإِذَا أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ اسْتَبَدَّ؛ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ، فَإِنْ بَاعَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ، فَإِنْ عُلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا؛ كَانَ.
الْعَبْدُ لَهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا حَصَلَ فِي حَالِ قِيَامِ الْوَكَالَةِ، فَنَفَذَ وَصَارَ بَيْعُهُ كَبَيْعِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ، فَانْعَزَلَ بِهِ الْوَكِيلُ الثَّانِي، وَإِنَّمَا بَاعَهُ بَعْدَمَا انْعَزَلَ، فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا؛ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ؛ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَيْنِ قَدْ اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي السَّبَبِ، فَكَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَيُجْبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، حَيْثُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ إلَّا نِصْفُ الْعَبْدِ، وَقَدْ اشْتَرَاهُ كُلَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ، أَوْ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ، أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ- فَهُوَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ فِيهِ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ، فَلَا يَظْهَرُ اعْتِبَارُ تَرْجِيحٍ لِأَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ؛ فَهُوَ لَهُ؛ لِتَرْجِيحِ جَانِبِهِ بِتَأَكُّدِ شِرَائِهِ، وَتَمَكُّنُهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلُ سَبْقِ شِرَائِهِ؛ وَلِأَنَّ بِالْآخَرِ حَاجَةً إلَى اسْتِحْقَاقِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَبِشِرَائِهِ مِنْ الْوَكِيلِ الْآخَرِ، لَا يَظْهَرُ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِسَبْقِ عَقْدِهِ، فَإِنْ أَوْهَمَ لَبْسُهُ عَلَى ذَلِكَ أَخَذَهُ، وَإِلَّا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ.
وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ، فَبَاعَهُ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ- فَهُوَ جَائِزٌ وَلِلْآمِرِ حِصَّةُ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مَقْصُودُ الْآمِرِ، إذْ لَا فَرْقَ فِي حَقِّهِ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ وَحْدَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ مَضْمُومًا إلَيْهِ عَبْدٌ آخَرُ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَجُوزُ بَيْعُهُ، سَوَاءٌ قَلَّتْ حِصَّةُ عَبْدِ الْمُوَكِّلِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى أَوْ كَثُرَتْ، وَعِنْدَهُمَا إنَّمَا يَجُوزُ؛ إذَا كَانَ بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرَ قِيمَتِهِ، أَوْ أَقَلَّ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَهُ وَحْدَهُ، وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهُ بِعْ عَبْدِي هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ، فَبَاعَهُ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي عَبْدِ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ حِصَّةُ عَبْدِ الْمُوَكِّلِ مِنْ الْمُسَمَّى خَمْسَمِائَةٍ، أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ حَصَّلَ مَقْصُودَ الْآمِرِ بِتَصَرُّفِهِ، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقُولُ: أَمْرُهُ بِالْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَقْطُوعٌ عَلَى مِقْدَارِهِ بِيَقِينٍ، وَلَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَ الثَّمَنِ عَلَى الْعَبْدَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْحَرَزُ وَالظَّنُّ، فَكَانَ هَذَا غَيْرَ التَّصَرُّفِ الْمَأْمُورِ بِهِ؛ فَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ الثَّمَنَ فَاشْتَرَاهُ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ- جَازَ إذَا كَانَ حِصَّةُ الْمُشْتَرِي لِلْآمِرِ مِثْلَ قِيمَتِهِ، أَوْ أَكْثَرَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ سَمَّى لَهُ خَمْسَمِائَةٍ فَاشْتَرَاهُ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفٍ؛ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- عَلَى الْآمِرِ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِمَا إذَا كَانَ حِصَّةُ الْمُشْتَرِي لِلْآمِرِ مِنْ الثَّمَنِ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ الْمُوَكِّلَ، حِينَ أَمَرَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ قَالَ لَهُ: هُوَ يُقَوَّمُ عَلَيَّ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَضَمَّ الْوَكِيلُ عَبْدًا آخَرَ مَعَهُ، يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَبَاعَهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى ثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ- فَهُوَ جَائِزٌ وَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَزِيَادَةٌ مَضْمُومَةٌ إلَيْهِ رِبْحًا، فَكَانَ هُوَ مُسَمِّيًا بِمُقَابَلَةِ عَبْدِ الْآمِرِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ وَزِيَادَةٍ؛ فَلِهَذَا نَفَذَ بَيْعُهُ، وَكَانَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا.
وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ، بَيْعًا فَاسِدًا، فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي- فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ.
كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ بَيْعًا فَاسِدًا؛ وَهَذَا لِأَنَّ الضَّمَانَ الْأَصْلِيَّ فِي الْمَبِيعِ، هُوَ ضَمَانُ الْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْمُسَمَّى عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، وَلَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ لِلْفَسَادِ، فَيَبْقَى مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ، وَالْوَكِيلُ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ هُوَ بِالْخِلَافِ بِالْفَسَادِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ أَسْبَابَ الْفَسَادِ، قَلَّمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا عَادَةً، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ لَا يَكُونُونَ كَأَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي مَعْرِفَةِ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلْبَيْعِ، فَلَوْ قُلْنَا: يَضْمَنُ الْوَكِيلُ بِالْفَسَادِ؛ لَتَحَرَّزَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَكَالَةِ، وَفِيهِ قَطْعُ هَذَا الرِّفْقِ عَنْ النَّاسِ، فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ، وَالْوَكِيلُ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الْقِيمَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِعَقْدِهِ، وَالْفَاسِدُ مِنْ الْعَقْدِ، مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ، فَإِذَا كَانَ عَقْدُ الْقَبْضِ لِلْوَكِيلِ فِيمَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ، فَكَذَلِكَ فِيمَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَيَقْبِضُ الْقِيمَةَ، وَيَدْفَعُهَا إلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِهَا، إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَالصَّحِيحِ جَمِيعًا، وَإِنْ دَفَعَهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْآمِرِ؛ بَرِئَ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ كَأَجْنَبِيٍّ، فَقَبْضُهُ لَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْمُشْتَرِي، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ: الْوَكِيلُ يَعْمَلُ بِهِ فِي الْقَبْضِ، فَلَيْسَ فِي قَبْضِهِ بِنَفْسِهِ تَفْوِيتُ شَيْءٍ عَلَى الْوَكِيلِ، بَلْ فِيهِ إسْقَاطٌ فَوَّتَهُ بِالْقَبْضِ وَالدَّفْعِ عَنْهُ، تَوْضِيحُهُ؛ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُبْرِئْ الْمُشْتَرِيَ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ، وَلَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِ قَبْضِهِ؛ لِحَاجَتِنَا إلَى إعَادَتِهِ فِي الْحَالِ، فَإِنَّهُ لَوْ نَقَضَ قَبْضَ الْوَكِيلِ وَدَفَعَهُ إلَى الْآمِرِ- لَكَانَ هَذَا اشْتِغَالًا بِمَا لَا يُفِيدُ، وَإِنْ كَتَبَ الْوَكِيلُ الصَّكَّ بِاسْمِ رَبِّ الْعَبْدِ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ، إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَتْبَهُ الصَّكَّ بِاسْمِهِ، إقْرَارٌ بِأَنَّ الثَّمَنَ مِلْكٌ لَهُ، وَإِقْرَارُهُ بِذَلِكَ نَصًّا لَا يُنَافِي كَوْنَ الْقَبْضِ حَقًّا لِلْوَكِيلِ، وَلَا يَتَضَمَّنُ تَوْكِيلَ الْوَكِيلِ إيَّاهُ بِالْقَبْضِ؛ فَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ.
وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: بِعْ عَبْدَيَّ هَذَا وَهَذَا، أَوْ بِعْ أَحَدَهُمَا، فَأَيَّهمَا بَاعَ جَازَ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ مُعْتَبَرٌ، فَإِيجَابُ الْبَيْعِ فِي أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَصْلُحُ، فَكَذَلِكَ التَّوْكِيلُ بِهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: مَبْنَى الْوَكَالَةِ عَلَى التَّوَسُّعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ اللُّزُومُ بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ، لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ، تَوْضِيحُهُ: أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيُّ الْعَبْدَيْنِ يَرُوجُ، فَيُوَكِّلَهُ بِبَيْعِ أَحَدِهِمَا؛ تَوْسِعَةً لِلْآمِرِ عَلَيْهِ، وَتَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ نَفْسِهِ فِي الثَّمَنِ.
وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ، ثُمَّ قَتَلَهُ الْمَوْلَى- بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ، فَكَأَنَّهُ بِنَفْسِهِ بَاعَهُ، ثُمَّ بِقَتْلِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ، لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَدْلِ زُطِّيٍّ، فَبَاعَهُ، وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، فَقَالَ الْآمِرُ: لَيْسَ هَذَا عَدْلِي- فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينًا فِيهِ، وَبَعْدَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ عَادَ أَمِينًا، كَمَا كَانَ فَالْقَوْلُ فِي تَعْيِينِ الْأَمَانَةِ قَوْلُهُ، وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ مِنْهُ ثَوْبًا، وَلَمْ يَبِعْ مَا سِوَاهُ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا؛ إنْ كَانَ يَضُرُّ ذَلِكَ بِالْعَدْلِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْعَبْدِ إذَا بَاعَ نِصْفَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا سَبَقَ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ مِمَّا يُكَالُ.
أَوْ يُوزَنُ، فَبَاعَ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ،- جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ، فَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي بَيْعِ بَعْضِهِ، بِخِلَافِ الدَّارِ، وَالْعَبْدِ عِنْدَهُمَا، وَضَمَانُ الْوَكِيلِ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ لِلْآمِرِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ فِي الثَّمَنِ لِلْوَكِيلِ، فَلَوْ صَحَّ ضَمَانُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي؛ كَانَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ، إذْ لَا حَقَّ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَضَمَانُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ بَاطِلٌ؛ وَلِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا يَقْبِضُ مِنْ الثَّمَنِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآمِرِ، فَلَوْ صَحَّتْ كَفَالَتُهُ لِلْآمِرِ؛ صَارَ ضَامِنًا، وَبَيْنَ كَوْنِهِ أَمِينًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ ضَامِنًا فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مُنَافَاةٌ، وَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ، وَكُلُّ مَالٍ أَصْلُهُ الْأَمَانَةُ، وَإِذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ، أَنَّهُ قَدْ أَوْفَاهُ الثَّمَنَ وَالْوَكِيلُ يَجْحَدُ ذَلِكَ،، فَقَدْ بَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ، وَالْوَكِيلُ ضَامِنٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَلَوْ عَايَنَاهُ، قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ، ثُمَّ جَحَدَهُ؛ كَانَ ضَامِنًا لَهُ.
وَإِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَدْلِ زُطِّيٍّ لَهُ، فَعَمَدَ الْوَكِيلُ إلَى الْعَدْلِ، وَقَصَّرَهُ- فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا هَلَكَ عِنْدَ الْقَصَّارِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِلْقِصَارَةِ، فَيَكُونُ بِهَذَا الدَّفْعِ مُخَالِفًا ضَامِنًا مَا هَلَكَ عِنْدَ الْقَصَّارِ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى يَدِ الْوَكِيلِ؛ بَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ، فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا لِمَا هَلَكَ، وَأُجْرَةُ الْقَصَّارِ تَكُونُ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ، وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ الْقِصَارَةِ؛ فَالثَّمَنُ كُلُّهُ لِلْمُوَكِّلِ، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِلْوَكِيلِ، بِاعْتِبَارِ الْأُجْرَةِ لِلْقِصَارَةِ؛ لِأَنَّ الْقِصَارَةَ لَيْسَتْ بِعَيْنِ مَالٍ قَائِمٍ فِي الثَّوْبِ، وَإِنَّمَا هِيَ إزَالَةُ الدَّرَنِ، وَالْوَسَخِ عَنْ الثَّوْبِ، فَإِنَّ اللَّوْنَ الْأَصْلِيَّ لِلْقُطْنِ إنَّمَا هُوَ الْبَيَاضُ، وَيَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِالْوَسَخِ، فَإِذَا أُزِيلَتْ عِنْدَ الْقِصَارَةُ؛ عَادَ اللَّوْنُ الْأَصْلِيُّ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ بِاعْتِبَارِ الْقِصَارَةِ؛ لَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةٌ، وَكَذَلِكَ إنْ فَتَلَ الثِّيَابَ، فَأَمَّا إذَا صَبَغَهَا بِعُصْفُرٍ، أَوْ زَعْفَرَانٍ؛ فَهُوَ مُخَالِفٌ بِمَا صَبَغَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ، لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ، فَهُوَ كَمُودَعٍ، أَوْ غَاصِبٍ صَبَغَ الثَّوْبَ، فَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ مِنْهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مَا زَادَ الْعُصْفُرُ وَالزَّعْفَرَانُ فِيهِ، وَإِنْ شَاءَ؛ بَاعَهُ الْوَكِيلُ، وَضَارَبَ الْآمِرُ فِي الثَّمَنِ بِقِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ، وَضَارَبَ الْوَكِيلُ، بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ فِي الثَّوْبِ، فَيُسَلِّمُ لِلْوَكِيلِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَانَ الْخِيَارُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبَ الْأَصْلِ، فَإِنَّ الصَّبْغَ تَبَعٌ؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ بِالثَّوْبِ، وَقِيَامُ الْبَيْعِ يَكُونُ بِالْأَصْلِ؛ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالصَّبْغُ مُسْتَهْلَكٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ، وَلَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: السَّوَادُ نُقْصَانٌ فِي الثَّوْبِ لَا زِيَادَةُ، فَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَلَا يُعْطِيَ الْوَكِيلَ، فَالثَّمَنُ كُلُّهُ لِلْآمِرِ، وَعِنْدَهُمَا السَّوَادُ بِمَنْزِلَةِ الْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَقِيلَ: هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، فَإِنَّ لُبْسَ السَّوَادِ، لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فَعَدَّهُ نُقْصَانًا فِي الثَّوْبِ، وَقَدْ ظَهَرَ فِي عَهْدِهِمَا فَقَالَا: زِيَادَةٌ وَقِيلَ: بَلْ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثِّيَابِ: فَمِنْ الثِّيَابِ مَا يُنْقِصُ السَّوَادُ مِنْ قِيمَتِهِ كَالْقَصَبِ وَنَحْوِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ نُقْصَانًا فِيهِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَمِنْ الثِّيَابِ مَا يَزِيدُ السَّوَادُ فِي قِيمَتِهِ، فَيَكُونُ الْجَوَابُ فِيهِ كَمَا قَالَا، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَلَمَّا قُلِّدَ الْقَضَاءَ، وَكُلِّفَ السَّوَادَ؛ احْتَاجَ فِيهِ إلَى مُؤْنَةٍ فَرَجَعَ وَقَالَ: السَّوَادُ زِيَادَةٌ، ثُمَّ الْوَكِيلُ فِي هَذَا كُلِّهِ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي بَيْعِهِ، لِأَنَّ مَا عَرَضَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ، وَلَا يُخْرِجُ الْمَحَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلتَّصَرُّفِ.
وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ جِرَابَ هَرَوِيٍّ؛ يَبِيعُهُ وَهُوَ بِالْكُوفَةِ فَبِأَيِّ أَسْوَاقِ الْكُوفَةِ بَاعَهُ جَازَ، وَإِنْ خَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ فَبَاعَهُ هُنَاكَ- ضَمِنَهُ اسْتِحْسَانًا، وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ عَلَى الْآمِرِ، وَفِي الْقِيَاسِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا، فَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَكَانٍ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فِي كَلَامِهِ، وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ مَقْصُودَهُ الْبَيْعُ بِالْكُوفَةِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَقْصُودِ لَا يَحْصُلُ، خُصُوصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَتَقَيَّدْ الْوَكَالَةُ بِالْكُوفَةِ؛ كَانَتْ مُؤْنَةُ النَّقْلِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النَّقْلِ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ، فَرُبَّمَا تَبْلُغُ الْمُؤْنَةُ قِيمَةَ الْمَتَاعِ أَوْ تَزِيدُ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ تَفْوِيتُ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ، وَهَذَا دَلِيلٌ صَالِحٌ لِتَقْيِيدِ مُطْلَقِ الْوَكَالَةِ، فَإِذَا تَقَيَّدَتْ بِالْمِصْرِ كَانَ هُوَ بِالْإِخْرَاجِ مُخَالِفًا- فَلَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ وَيَكُونُ ضَامِنًا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا لَمْ يُخْرِجْ الْمَتَاعَ مَعَ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ بَاعَهُ بِالْبَصْرَةِ، وَمَشَايِخُنَا- رَحِمَهُمُ اللَّهُ- يَقُولُونَ: بَيْعُهُ يَجُوزُ هُنَا؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ إنَّمَا يَجِبُ فِي مَوْضِعِ الْمَبِيعِ، فَلَا يَلْحَقُهُ مُؤْنَةُ النَّقْلِ، وَالْأَصْلَحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ ثَبَتَ بِالدَّلَالَةِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَكَانَ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ، وَالْوَكَالَةُ تَقْبَلُ التَّقْيِيدَ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، وَلَوْ قَالَ: بِعْهُ بِالْكُوفَةِ فَفِي أَيِّ أَسْوَاقِ الْكُوفَةِ بَاعَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ بِهَذَا التَّقْيِيدِ سِعْرُ الْكُوفَةِ، وَفِي أَيِّ أَسْوَاقِ الْكُوفَةِ بَاعَ، فَإِنَّهُ إنَّمَا بَاعَ بِسِعْرِ الْكُوفَةِ، وَإِنْ حَمَلَهُ إلَى مِصْرٍ آخَرَ فَبَاعَهُ- لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، فَكَانَ ضَامِنًا لَهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِتَقْيِيدِ الْأَمْرِ بِالْكُوفَةِ نَصًّا.
وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَدْلُ زُطِّيٍّ فَقَالَ لِرَجُلَيْنِ أَيُّكُمَا بَاعَهُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ بَاعَهُ أَحَدُ هَذَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ أَوْ، وَكَّلْتُ هَذَا أَوْ هَذَا بِبَيْعِهِ فَبَاعَهُ أَحَدُهُمَا- فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ؛ لِجَهَالَةِ مَنْ وَكَّلَ بِالْبَيْعِ- وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ فَيُحْمَلُ فِيمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ، ثُمَّ قَدْ نَصَّ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ هُنَا، وَلَمْ يَنُصَّ فِيمَا سَبَقَ مِنْ تَوْكِيلِ الْوَاحِدِ بِبَيْعِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ، حَتَّى تَكَلَّفَ بَعْضُهُمْ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْإِقْرَارِ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُقِرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَجَهَالَةَ الْمُقَرِّ لَهُ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ: أَنَّ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِي الْفَصْلَيْنِ، فَإِنَّهُ قَالَ هُنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لِوَاحِدٍ بِعْ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ، أَوْ بِعْ ذَا وَذَا- فَهَذَا بَيَانٌ أَنَّ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ سَوَاءٌ.
وَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَيَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِلْآمِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَبَاعَهُ بِغَيْرِ خِيَارٍ، أَوْ بِخِيَارٍ دُونَ الثَّلَاثَةِ، فَدَفَعَهُ- فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ، وَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِعَقْدٍ هُوَ أَضُرُّ عَلَى الْآمِرِ: فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ الرَّأْيُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ، بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ، أَوْ يُمْضِيَهُ، وَقَدْ أَتَى بِعَقْدٍ لَا يَثْبُتُ فِيهِ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الرَّأْيِ لِلْآمِرِ، فَكَانَ مُخَالِفًا كَالْغَاصِبِ، وَلَوْ قَالَ: بِعْهُ، وَاشْتَرِطْ الْخِيَارَ لِي شَهْرًا، فَبَاعَهُ، وَشَرَطَ الْخِيَارَ لَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ- جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- اسْتِحْسَانًا، وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا: أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِي مُدَّةِ الشَّهْرِ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ مَعَهُ، فَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِعَقْدٍ يَكُونُ فِيهِ الرَّأْيُ إلَى الْآمِرِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَهُوَ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ فَكَانَ ضَامِنًا، وَإِنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ، لَا يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنَّمَا هَذَا وَكِيلٌ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَهُ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا بَاعَ بَيْعًا جَائِزًا؛ نَفَذَ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا فَهَذَا مِثْلُهُ.
وَلَوْ قَالَ: بِعْهُ بَيْعًا فَاسِدًا، فَبَاعَهُ بَيْعًا جَائِزًا، كَانَ هَذَا اسْتِحْسَانًا فِي قَوْلِ: أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- وَفِي الْقِيَاسِ- وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ- لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالْعَقْدِ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، فَكَانَ كَالْمَأْمُورِ بِالْهِبَةِ إذَا بَاعَ؛ أَوْ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعٍ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمُوَكِّلِ فِي الِاسْتِرْدَادِ؛ أَوْ أَمَرَهُ بِبَيْعٍ، يَكُونُ الْمَبِيعُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَهُ، فَكَانَ كَالْمَأْمُورِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْآمِرِ إذَا بَاعَهُ بِغَيْرِ خِيَارٍ.
وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التَّصَرُّفِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ، وَهُوَ خَيْرٌ لِلْآمِرِ مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ، فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ، إذَا بَاعَ بِأَلْفَيْنِ، وَبَيَانُهُ: أَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يُطْعِمَهُ الْحَرَامَ بِالتِّجَارَةِ، وَهُوَ أَطْعَمَهُ الْحَلَال، وَالتِّجَارَةُ مَشْرُوعَةٌ لِاكْتِسَابِ الْحَلَالِ بِهَا دُونَ الْحَرَامِ، بِخِلَافِ الْمَضْمُونِ الْمَأْمُورِ بِالْهِبَةِ، إذَا بَاعَ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَبِخِلَافِ بَيْعِ الْمَأْمُورِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْخِيَارَ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ لَيْسَ بِأَنْفَعَ لِلْآمِرِ بِهِ، بَلْ هُوَ أَضَرُّ عَلَيْهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ: لَوْ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ الْجَائِزِ فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا؛ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا فَعَرَفْنَا أَنَّ الِامْتِثَالَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، لَا بِصِفَةِ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ.
وَفِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِغَيْرِ شُهُودٍ، فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ بِشُهُودٍ- لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالنِّكَاحِ لَا يَتَنَاوَلُ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يُوجِبُ الْكُلَّ أَصْلًا، وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ مِنْ جِهَتِهِ بِإِثْبَاتِ الْحِلِّ لَهُ؛ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَلَا إشْكَالَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: إنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي النِّكَاحِ عِنْدَهُ، يَتَنَاوَلُ الْجَائِزَ وَالْفَاسِدَ، وَمَا أَتَى بِهِ أَنْفَعُ لِلْمُوَكِّلِ مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ.
وَلَوْ قَالَ: بِعْهُ بِعَبْدٍ إلَى أَجَلٍ، فَبَاعَهُ بِدَرَاهِمَ حَالَّةٍ، فِي الْقِيَاسِ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَقَدْ أَتَى بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ سَمَّى جِنْسًا خِلَافَ مَا أَمَرَهُ بِهِ الْآمِرُ، وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فِي الْمُسَمَّى يَكُونُ مُخَالِفًا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَنْفَعَ لِلْآمِرِ، كَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إذَا بَاعَهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ، لَا يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ.
وَلَوْ قَالَ بِعْهُ بِأَلْفٍ نَسِيئَةً، فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ بِالنَّقْدِ، فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ حَصَّلَ مَقْصُودَ الْآمِرِ، وَزَادَهُ خَيْرًا بِزِيَادَةٍ فِي قَدْرِ الْمُسَمَّى، أَوْ فِي صِفَةِ الْحُلُولِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ بِالنَّقْدِ؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَقْصُودَهُ، وَمَا سَمَّى لَهُ، فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يُدْخِلَ فِي مِلْكِهِ بِمُقَابَلَةِ الْعَبْدِ أَلْفًا، وَقَدْ أَدْخَلَ فِي مِلْكِهِ دُونَ ذَلِكَ، وَإِنْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ إلَى خَيْرٍ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً شَهْرَيْنِ، وَالْمُوَكِّلُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِأَلْفٍ نَسِيئَةً شَهْرًا- لَمْ يَجُزْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا سَمَّى لَهُ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ إلَى مَا هُوَ أَضَرُّ عَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُقَابَلَةَ زِيَادَةِ الْقَدْرِ بِالنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ بِزِيَادَةِ الْأَجَلِ، إنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ ذَلِكَ، بَلْ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ مَا سَمَّى لَهُ الْآمِرُ، فَإِذَا خَالَفَ إلَى مَا هُوَ أَضَرُّ عَلَيْهِ؛ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مِنْطَقَةً فِيهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ فِضَّةً، فَقَالَ: بِعْهَا بِخَمْسِينَ، فَبَاعَهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ نَقْدًا- فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَقَدْ أَتَى بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: بِعْهَا بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا نَسِيئَةً، فَبَاعَهَا بِخَمْسِينَ نَقْدًا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ جِرَابَ هَرَوِيٍّ فَقَالَ: بِعْهُ نَسِيئَةً أَوْ نَقْدًا، فَمَا بَاعَهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ شَيْءٍ مِمَّا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ- فَهُوَ جَائِزٌ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فَلَا يُشْكِلُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا؛ فَلِأَنَّهُ وَسَّعَ الْآمِرُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: بِعْهُ نَسِيئَةً، أَوْ نَقْدًا، فَيَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ مَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا، وَإِنْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا وَدَفَعَهُ إلَيْهِ؛ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَالَ: بِعْهُ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ إلَى الْحَصَادِ، وَالدِّيَاسِ، أَوْ إلَى الْعَطَاءِ، أَوْ إلَى النَّيْرُوزِ- فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ بِجَهَالَةِ هَذِهِ الْآجَالِ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ.
كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي: أَنَا أُعَجِّلُ الْمَالَ، وَأَدَعُ الْأَجَلَ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ حَذْفُ الشَّرْطِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَهِيَ زُفَرِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي الْبُيُوعِ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِطَعَامٍ فَقَالَ: بِعْهُ كُلُّ كُرٍّ بِخَمْسِينَ، فَبَاعَهُ كُلَّهُ، فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ حَرْفَ كُلٍّ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُضَافُ إلَيْهِ، وَقَدْ أَضَافَهُ إلَى الطَّعَامِ، فَيَجْمَعُ كُلَّ كُرٍّ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ: بِعْهُ بِمِثْلِ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ الْكُرَّ، فَقَالَ فُلَانٌ: بِعْتُ الْكُرَّ بِأَرْبَعِينَ، فَبَاعَ الْوَكِيلُ بِأَرْبَعِينَ، ثُمَّ وَجَدَ فُلَانًا بَاعَهُ بِخَمْسِينَ، فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى لَهُ؛ وَأَنَّ فُلَانًا أَخْبَرَ بِالْبَاطِلِ، وَالْمُخْبَرُ بِهِ إذَا كَانَ كَذِبًا؛ فَبِالْإِخْبَارِ بِهِ لَا يَصِيرُ صِدْقًا، وَجَهْلُ الْوَكِيلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْمُوَكِّلِ، وَلَا يَجْعَلُ الْوَكِيلَ مُوَافِقًا، وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ بَاعَ كُرًّا بِخَمْسِينَ، فَبَاعَ هَذَا كُرَّارَهُ بِخَمْسِينَ خَمْسِينَ، ثُمَّ بَاعَ فُلَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِسِتِّينَ- فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ، بِمِثْلِ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فِي الْمَاضِي، لَا بِمِثْلِ مَا يَبِيعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَدْ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ بَاعَ كُرًّا بِأَرْبَعِينَ، وَكُرًّا بِخَمْسِينَ، فَبَاعَ الْوَكِيلُ طَعَامَهُ كُلَّ كُرٍّ بِأَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ يَعْتَمِدُ رِضَا الْمُوَكِّلِ، وَفِي رِضَاهُ بِأَرْبَعِينَ شَكٌّ وَلَمَّا كَانَ فُلَانٌ بَاعَ تَارَةً بِخَمْسِينَ، وَتَارَةً بِأَرْبَعِينَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْآمِرِ بِهَذَا: بِعْ عَلَى مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ لَا أَدْنَاهُ، وَلَكِنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ، وَاسْتَحْسَنَ فَقَالَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ مَا سَمَّى لَهُ، فَإِنَّهُ سَمَّى لَهُ الْبَيْعَ بِمِثْلِ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ، وَإِذَا كَانَ قَدْ بَاعَهُ بِأَرْبَعِينَ؛ فَهَذَا قَدْ بَاعَ بِمِثْلِ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ؛ وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْمَنْصُوصَاتِ يُعْتَبَرُ أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ لَا نِهَايَتُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا شَرَطَ صِفَةَ الْجَوْدَة فِي الْمَبِيعِ يَعْتَبِرُ أَدْنَى الْجُودَةِ لَا أَعْلَاهَا، وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نُنْفِذْ بَيْعَهُ لَمْ نَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ نَجْعَلَ الْوَكِيلَ ضَامِنًا، وَبِالشَّكِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، فَقَبِلَ الْوَكَالَةَ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَأَشْهَدَ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ- فَهُوَ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ عَزْلَ نَفْسِهِ فِيمَا يُوَافِقُ أَمْرَ الْآمِرِ، وَعَزْلُهُ يَكُونُ بِالْخِلَافِ، لَا بِالْمُوَافَقَةِ، فَلَا يَعْمَلُ قَصْدُهُ هَذَا، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشِرَائِهِ، فَاشْتَرَاهُ- فَهُوَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ قَبُولِ الْوَكَالَةِ مِنْهُ صَارَ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِغَيْرِهِ.
وَإِذَا وَجَدَ الْوَكِيلُ بِالْعَبْدِ عَيْبًا؛ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَلَا يَسْتَأْمِرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَهُوَ مُسْتَبِدٌّ بِمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَا دَامَ فِي يَدِهِ فَالْوَكَالَةُ قَائِمَةٌ غَيْرُ مُنْتَهِيَةٍ، فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ رَدِّهِ بِيَدِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِئْمَارِ الْآمِرِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَى الْآمِرِ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي عَيْبِهِ، إلَّا بِأَمْرِ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ قَدْ انْتَهَتْ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْآمِرِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ إلَّا بِإِبْطَالِ يَدِهِ، وَالْيَدُ حَقِيقَةٌ فِيهِ لِلْآمِرِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى إبْطَالِ يَدِهِ إلَّا بِرِضَاهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ: أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي فِي هَذَا الْعَبْدِ شَيْئًا بَعْدَ مَا سَلَّمَهُ إلَى الْآمِرِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَإِنَّهُ خَصْمٌ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ مَا لَمْ يُثْبِتْ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ.
وَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِصِنْفِ الْمَكِيلِ، أَوْ الْمَوْزُونِ، فَاشْتَرَاهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الصِّنْفِ- لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَصِّلْ مَقْصُودَ الْآمِرِ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ تَحْصِيلُ الْعَبْدِ لَهُ بِهَذَا الصِّنْفِ الَّذِي سَمَّاهُ، فَإِذَا لَمْ يُحَصِّلْ مَقْصُودَهُ؛ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ الثَّمَنَ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلْآمِرِ إلَّا بِدَرَاهِمَ، أَوْ بِدَنَانِيرَ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ إطْلَاقِ الْوَكَالَةِ فِي الْعِوَضِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ، وَهَذَا الشِّرَاءُ بِالنَّقْدِ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ بَعْضَهُ بِعَيْنِهَا تِبْرًا وَإِنَاءٍ مَصُوغٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ تِبْرٍ أَوْ بِمَكِيلٍ أَوْ بِمَوْزُونٍ أَوْ عَرَضٍ، لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ دُونَ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ، لَمَّا قُيِّدَ بِالشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ- صَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَالتِّبْرُ وَالْمَصُوغُ لَيْسَا بِنَقْدٍ فَكَانَ فِيمَا صَنَعَ مُخَالِفًا أَمْرَهُ؛ فَلِهَذَا صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ دُونَ الْآمِرِ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ بِثَمَنٍ مُسَمًّى، فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا آخَرَ، فَاشْتَرَاهُ- لَزِمَ الْآمِرَ الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِ وَكِيلِهِ بِالشِّرَاءِ، وَمَا رَضِيَ بِتَوْكِيلِهِ فَهُوَ فِي التَّوْكِيلِ مُخَالِفٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَمَّى الثَّمَنَ لَهُ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الثَّمَنِ تَمْنَعُ الزِّيَادَةَ دُونَ النُّقْصَانِ، وَإِذَا صَارَ مُخَالِفًا؛ نَفَذَ شِرَاءُ وَكِيلِهِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مُخَالِفًا فِيهِ، فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِمَحْضَرِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ؛ لَزِمَ الْآمِرَ الْأَوَّلَ، لِأَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ بِرَأْيِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، فَكَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَاشَرَ الْعَقْدَ، وَفِي هَذَا خِلَافُ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
وَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ: أَمَرْتَنِي أَنْ أَشْتَرِيَهُ لَكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ الْآمِرُ: أَمَرْتُك بِخَمْسِمِائَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْإِذْنِ؛ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، فَكَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ؛ وَلِأَنَّ تَصَرُّفَ كُلِّ إنْسَانٍ يَكُونُ لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ كَوْنُهُ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ، فَكَانَ الْآمِرُ مُتَمَسِّكًا بِالْأَصْلِ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ؛ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْوَكِيلِ، لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْآمِرِ، وَيُثْبِتُ خِلَافَ مَا يَشْهَدُ بِهِ الظَّاهِرُ، وَهُوَ وُقُوعُ الْمِلْكِ بِشِرَائِهِ لِلْآمِرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْآمِرُ لِلْوَكِيلِ: أَمَرْتُكَ بِغَيْرِ هَذَا الْعَبْدِ، وَقَالَ: اشْتَرِ لِي عَبْدَ فُلَانٍ بِعَبْدِكَ هَذَا، فَاشْتَرَاهُ جَازَ لِلْآمِرِ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ عَبْدِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُسْتَقْرِضِ لِعَبْدِ الْوَكِيلِ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ لَهُ عَبْدًا، وَاسْتِقْرَاضُ الْحَيَوَانِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَإِذَا تَمَّ؛ كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ؛ وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ يُوجِبُ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ، وَلِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا صَحَّ التَّوْكِيلُ هُنَا، وَاشْتَرَى بِعَبْدِهِ- وَجَبَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ إلَيْهِ، وَلِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ مِثْلُهُ، وَمِثْلُ الْعَبْدِ قِيمَتُهُ، وَإِنَّمَا صَحَّ التَّوْكِيلُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالشِّرَاءِ لَهُ بِعِوَضٍ يَلْتَزِمُهُ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ- كَانَ صَحِيحًا، وَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ لَهُ بِعِوَضٍ يَلْتَزِمُهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ.
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ أَوْ يَتَرَادَّانِ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَعَ الْمُوَكِّلِ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي، عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ يَمْلِكُ السِّلْعَةَ بِعَقْدِ الْوَكِيلِ بِعِوَضٍ يَسْتَوْجِبُهُ الْوَكِيلُ عَلَيْهِ، وَالْبَائِعُ مَعَ الْمُشْتَرِي إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ؛ فَالْحُكْمُ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا يَقُولُهُ الْبَائِعُ، أَوْ يَتَرَادَّانِ».
ثُمَّ حَاصِلُ الْجَوَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: هُنَا مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا- مَا بَيَّنَّا، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلتَّخَالُفِ وَالثَّانِي- أَنَّ الْوَكِيلَ أَمِينٌ مُخْبِرٌ بِمَا يُجْعَلُ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ، وَفِي مِثْلِهِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَيَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ الْخِيَارُ، إنْ شَاءَ مَالَ إلَى هَذَا الْجَانِبِ، وَرَضِيَ أَنْ يَأْخُذَ بِمَا قَالَ الْوَكِيلُ، فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ مِقْدَارِ الثَّمَنِ، كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي يَمِينِ الْأَمِينِ، فَإِذَا حَلَفَ؛ أَخَذَهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى الْآخَرِ، وَلَمْ يَرْضَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِمَا قَالَ الْوَكِيلُ، فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ، وَاَلَّذِي يُبْتَدَأُ بِهِ فِي الْيَمِينِ الْآمِرُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي، فَكَمَا أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ هُنَا يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْآمِرِ، وَيَحْلِفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَبَعْدَ مَا تَحَالَفَا، فَالْعَبْدُ الْمُشْتَرَى يَلْزَمُ الْوَكِيلَ؛ لِانْفِسَاخِ السَّبَبِ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ.
قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أَمَةً يَتَّخِذُهَا أُمَّ وَلَدٍ وَيَطَؤُهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَاشْتَرَى لَهُ أَمَةً رَتْقَاءَ لَا تُوطَأُ، أَوْ مَجُوسِيَّةً، أَوْ أَمَةً لَهَا زَوْجٌ- لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَقْصُودِهِ عِنْدَ التَّوْكِيلِ بِمَحَلٍّ صَالِحٍ لِمَا صَرَّحَ بِهِ، وَهَذَا الْمَحَلُّ غَيْرُ صَالِحٍ لِذَلِكَ، وَكَانَ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا وَصَفَهُ بِصِفَةٍ، فَاشْتَرَاهُ بِصِفَةٍ تُخَالِفُ تِلْكَ الصِّفَةِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ، فَإِنَّ مَا لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ.
قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ، وَقَبَضَهُ وَطَلَبَ الْآمِرُ أَخْذَهُ فَأَبَى الْوَكِيلُ، أَنْ يُعْطِيَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ- فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عِنْدَنَا، سَوَاءٌ نَقَدَ الْوَكِيلَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ عِنْدَ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَهَذِهِ مَعْرُوفَةٌ فِي الْبُيُوعِ بِفُرُوعِهَا، إلَّا أَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْخِلَافِ، إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْمَنْعِ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِ هُنَا فَقَالَ: عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الثَّمَنِ كَالْمَرْهُونِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- يَكُونُ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ قَلَّتْ قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ، كَالْمَبِيعِ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ مَعَ الْمُوَكِّلِ لَبَائِعٌ مَعَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ مَاتَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ، قَبْلَ أَنْ يَمْنَعَهُ- مَاتَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْقَبْضِ عَامِلٌ لِلْآمِرِ، فَيَصِيرُ الْآمِرُ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ قَابِضًا حُكْمًا مَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ، فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ، وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَنَعَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَرِدًّا لِيَدِهِ؛ أَوْ لِأَنَّ بِالْمَنْعِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْقَبْضِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ لَا لِلْآمِرِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ أَخَّرَ الْمَالَ عَنْ الْمُشْتَرِي؛ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْآمِرِ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى الْآمِرِ مِثْلَ مَا وَجَبَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ بِصِفَتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّفِيعِ مَعَ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْأَجَلَ الثَّابِتَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا يَتَمَلَّكُ الْمَبِيعَ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ سِوَى عَقْدِ الْمُشْتَرِي، وَالْأَجَلُ الْمَذْكُورُ فِي عَقْدٍ لَا يَثْبُتُ فِي عَقْدٍ آخَرَ، وَهُنَا الْمُوَكِّلُ إنَّمَا يَتَمَلَّكُ بِذَلِكَ الْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ الْوَكِيلُ، وَالْأَجَلُ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْعَقْدِ، فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا، وَلَوْ حَطَّ الْبَائِعٌ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ عَنْ الْوَكِيلِ؛ ثَبَتَ ذَلِكَ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّ حَطَّ بَعْضِ الثَّمَنِ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَيَخْرُجُ قَدْرُ الْمَحْطُوطِ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كُلَّهُ لِلْوَكِيلِ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ حَطَّ الْكُلِّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، إذْ لَوْ الْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ؛ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى بَيْعًا بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَهُوَ فَاسِدٌ، فَكَانَ ذَلِكَ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ، وَإِبْرَاءُ الْوَكِيلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الرُّجُوعِ لَهُ بِالشِّرَاءِ لَا بِالْوَلَاءِ، بِخِلَافِ الْكَفِيلِ إذَا بَرِئَ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ، لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الرُّجُوعِ لَهُ بِالْأَدَاءِ، أَوْ بِمِلْكِهِ مَا فِي ذِمَّتِهِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْأَدَاءِ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةٍ، ثُمَّ حَطَّ الْبَائِعُ الْمِائَةَ عَنْ الْمُشْتَرِي- كَانَ الْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ مُخَالِفٌ فَوَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ، ثُمَّ لَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْآمِرِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِتَجْدِيدِ سَبَبٍ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَبِهَذَا يَحْتَجُّ زُفَرُ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ إذَا اشْتَرَى نِصْفَهُ، فَإِنَّ عِنْدَ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- هُنَاكَ، وَإِنْ اشْتَرَى الْبَاقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ؛ كَانَ الْعَبْدُ لِلْوَكِيلِ دُونَ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِ الشِّرَاءِ مُخَالِفٌ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: هُنَاكَ عَرَضَتْ الْمُوَافَقَةُ بِفِعْلٍ- يَكُونُ مِنْ الْوَكِيلِ فِيمَا تَنَاوَلَتْهُ الْوَكَالَةُ- قَائِمٍ فَمَنَعَ تَحَقُّقَ الْخِلَافِ، وَهُنَا عَرَضَتْ الْمُوَافَقَةُ بِفِعْلٍ- يُحْدِثُهُ الْوَكِيلُ فِيمَا تَنَاوَلَتْهُ الْوَكَالَةُ- غَيْرِ مَوْجُودٍ، فَتَحَقَّقَ الْخِلَافُ بِنَفْسِهِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا، وَأَشْهَدَ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِفُلَانٍ، فَقَالَ فُلَانٌ: قَدْ رَضِيتُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ نَفَذَ عَلَى الْعَاقِدِ، حِينَ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ، وَرِضَا الْغَيْرِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي عَقْدٍ مَوْقُوفٍ عَلَى إجَازَتِهِ، وَهَذَا الْعَقْدُ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى إجَازَتِهِ، فَرِضَاهُ فِيهِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَإِنْ سَلَّمَهُ لَهُ، وَأَخَذَ الثَّمَنَ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعٍ مُسْتَقْبَلٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّ الْبَيْعَ بِالتَّعَاطِي يَنْعَقِدُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَمَامُ الرِّضَا، قَالَ اللَّهُ- تَعَالَى:: {إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ.
وَإِذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أَمَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَاشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْنِ فَبَعَثَ بِهَا لِلْآمِرِ فَاسْتَوْلَدَهَا، ثُمَّ قَالَ الْوَكِيلُ: اشْتَرَيْتُهَا بِأَلْفَيْنِ، فَإِنْ كَانَ حِينَ بَعَثَ بِهَا إلَيْهِ، قَالَ: هَذِهِ الْجَارِيَةُ الَّتِي أَمَرْتَنِي فَاشْتَرَيْتُهَا لَكَ، لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَنَّ ثَمَنَهَا أَلْفَانِ، وَلَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ، صَارَ مُقِرًّا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلْآمِرِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ، إذَا اشْتَرَاهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي سَمَّى الْآمِرُ لَهُ، فَكَانَ هُوَ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ اشْتَرَيْتُهَا بِأَلْفَيْنِ مُنَاقِضًا، وَالْمُنَاقِضُ لَا دَعْوَى لَهُ، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ ذَلِكَ حِينَ بَعَثَ بِهَا إلَيْهِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ: اشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي، وَإِنَّمَا بَعَثْتُهَا إلَيْهِ وَدِيعَةً، أَوْ لِيَنْظُرَ أَنَّهَا تُعْجِبُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَيْتُهَا لَهُ بِهِ أَوْ لَا فَلَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ مَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ؛ فَلِهَذَا جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ وَعَقْرَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّ الْآمِرَ مَغْرُورٌ فِيهَا: فَإِنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ ظَاهِرٍ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً؛ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لَهُ وَهُوَ أَنَّ الْوَكِيلَ اشْتَرَاهَا لَهُ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ كَانَ مَغْرُورًا.
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ كُرَّ حِنْطَةٍ مِنْ الْفُرَاتِ، فَاشْتَرَاهَا، وَاسْتَأْجَرَ بَعِيرًا لِحَمْلِهِ عَلَيْهِ- لَمْ يَكُنْ الْكِرَاءُ عَلَى الْآمِرِ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْكِرَاءِ بِعَقْدٍ آخَرَ سِوَى الْعَقْدِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ، فَكَانَ مُتَبَرِّعًا فِي حَمْلِهِ بِمَنْزِلَةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ السُّوقِ فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ حَمَلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ بِكِرَاءٍ كَانَ مُتَبَرِّعًا فِيهِ، فَكَذَلِكَ هَذَا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ بِالْكِرَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحَمْلِهِ دَلَالَةً، فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ الْفُرَاتِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتْرُكَهُ هُنَاكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ، فَإِنَّ الْحِنْطَةَ تُحْمَلُ فِي السُّفُنِ إلَى بَغْدَادَ، فَتُشْتَرَى ثَمَّةَ، وَتُنْقَلُ إلَى الْمَنَازِلِ؛ إذْ لَا يَبْقَى هُنَاكَ بِاللَّيْلِ أَحَدٌ يَحْفَظُهَا، وَلَيْسَ هُنَاكَ حَانُوتٌ تُحْفَظُ فِيهِ، فَلَمَّا أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ مَعَ عِلْمِهِ بِهَذَا؛ صَارَ الْآمِرُ آمِرًا لَهُ بِالنَّقْلِ دَلَالَةً، وَالنَّقْلُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالْكِرَاءِ، وَكَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِهَذَا الِاسْتِئْجَارِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ السُّوقِ.
تَوْضِيحُهُ: أَنَّ الْوَكِيلَ مُضْطَرٌّ فِي هَذَا النَّقْلِ، فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ هُنَاكَ يَكُونُ مُضَيِّعًا لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فِي هَذَا النَّقْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ السُّوقِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى نَقْلِهِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّرْكِ فِي حَانُوتِ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكُرَّ بِدِرْهَمٍ، فَاسْتَأْجَرَ لَهُ بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ؛ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْآمِرِ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ صَارَ مُخَالِفًا لَهُ، فَكَانَ مُسْتَأْجِرًا لِنَفْسِهِ، فَحَمْلُهُ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ كَحَمْلِهِ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِدِرْهَمٍ؛ جَازَ عَلَى الْآمِرِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ حَبْسُ الطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْكِرَاءَ؛ لِأَنَّ الْكِرَاءَ لَيْسَ بِعِوَضٍ عَنْ الطَّعَامِ، وَإِنَّمَا يُحْبَسُ الطَّعَامُ بِبَدَلِهِ، وَبَدَلُ الْكِرَاءِ هُنَا مَنْفَعَةُ الدَّابَّةِ فِي الْحَمْلِ، وَقَدْ تَلَاشَتْ وَلَيْسَ لِلْحَمْلِ أَثَرٌ قَائِمٌ فِي الْمَحْمُولِ، فَلَا يُحْبَسُ الْمَحْمُولُ بِهِ، بِخِلَافِ الْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ، فَإِنَّ أَثَرَ فِعْلِ الْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ قَائِمٌ فِي الثَّوْبِ، فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ طَعَامًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَيْهِ، فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ نَسِيئَةً- فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالشِّرَاءِ مُطْلَقًا وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا أَنَّهُ: إنَّمَا يَبِيعُ وَيَشْتَرِي لِلْآمِرِ بِالنَّسِيئَةِ، إذَا أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ لَا عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالنَّسِيئَةِ؛ وَبَيَانُ هَذَا فِي كِتَابِ الرَّهْنِ، ثُمَّ لِلْآمِرِ أَنْ يَأْخُذَ الطَّعَامَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ مَعَ الْوَكِيلِ كَحَالِ الْوَكِيلِ مَعَ الْبَائِعِ، وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا، فَلِلْآمِرِ ذَلِكَ أَيْضًا، فَإِنْ مَاتَ الْوَكِيلُ فَحَلَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ- لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ حُلُولَ الثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْأَجَلِ وَعَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِبَقَائِهِ؛ أَوْ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، صَارَ كَالْمُسْتَحَقِّ فِي تَرِكَتِهِ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْآمِرِ مَا بَقِيَ حَيًّا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ إلَى أَجَلٍ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ أَعْطَاهُ دَنَانِيرَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا، ثُمَّ لَمْ يَنْقُدْهَا، حَتَّى دَفَعَ الطَّعَامَ إلَى الْآمِرِ، وَأَنْفَقَ الدَّنَانِيرَ فِي حَاجَتِهِ، وَنَقَدَ الثَّمَنَ غَيْرَهَا- فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ الْأَمْرَ فِي الشِّرَاءِ بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ، وَهِيَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الشِّرَاءِ بِالتَّعْيِينِ، فَكَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ الْآمِرِ، وَقَدْ وَجَبَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ، وَلِلْوَكِيلِ فِي ذِمَّةِ الْآمِرِ، فَالْوَكِيلُ حِينَ أَنْفَقَ دَنَانِيرَ الْآمِرِ فِي حَاجَتِهِ، صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَ نَفْسِهِ فَبَقِيَ دَيْنُ الْآمِرِ عَلَيْهِ يَغْرَمُهُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ غَيْرِهَا، ثُمَّ نَقَدَهَا- فَالطَّعَامُ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِالشِّرَاءِ بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ، فَإِذَا اشْتَرَى بِغَيْرِهَا؛ صَارَ مُخَالِفًا فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ نَقَدَ دَنَانِيرَ الْآمِرِ فِي قَضَاءِ دَيْنِ نَفْسِهِ، فَصَارَ ضَامِنًا لَهُ، فَإِنْ قِيلَ: الشِّرَاءُ لَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ، فَشِرَاءُ الْوَكِيلِ بِهَا وَبِغَيْرِهَا سَوَاءٌ قُلْنَا: لَا نَقُولُ يَتَعَلَّقُ الشِّرَاءُ بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ، وَإِنَّمَا تَتَقَيَّدُ الْوَكَالَةُ بِمَا يَتَقَيَّدُ بِهِ الْمَالُ الْمُضَافُ إلَيْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِهِ، بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، وَإِذَا تَعَلَّقَتْ الْوَكَالَةُ بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ؛ لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ بِغَيْرِهَا مِنْ مُوجِبَاتِ الْوَكَالَةِ، عَلَى أَنَّ الشِّرَاءَ قَدْ بَطَلَ بِتَعَلُّقِ الدَّنَانِيرِ الْمُضَافَةِ إلَيْهَا نَوْعَ تَعَلُّقٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ الْمَغْصُوبَةِ، وَنَقَدَهَا- لَمْ يَطْلُبْ لَهُ الْفَضْلَ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِغَيْرِهَا وَنَقَدَهَا، وَإِنْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ، وَهُوَ يَنْوِي الشِّرَاءَ بِهَا، لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الدَّنَانِيرَ عَيْنٌ؛ وَصِفَةُ الْعَيْنِيَّةِ تُنَافِي الْأَجَلَ، فَبَيْنَ شِرَائِهِ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، وَبَيْنَ شِرَائِهِ بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ مُنَافَاةٌ بَيِّنَةٌ، فَبَيْنَهُ مُخَالَفَةٌ؛ لِمَا صَرَّحَ بِهِ، وَدَعْوَاهُ غَيْرُ مُطَابِقَةٍ لِمَا ظَهَرَ مِنْهُ، فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ هَذَا وَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِدَنَانِيرَ غَيْرِ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ.
سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى طَعَامًا بِمَالٍ، فَنَوَى الشِّرَاءَ بِتِلْكَ- فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ مَا صَرَّحَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا، فَإِنَّ إضَافَةَ الثَّمَنِ إلَى ذِمَّتِهِ، وَإِلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الدَّنَانِيرِ سَوَاءٌ، وَكَانَ تَعْيِينُ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ فِي قَلْبِهِ كَتَعَيُّنِهَا بِإِشَارَتِهِ فِي الْعَقْدِ إلَيْهَا؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ يُبْتَلَى بِهَذَا: بِأَنْ يَجِدَ مَا يُوَافِقُ الْآمِرَ فِي السُّوقِ، وَلَا تَكُونُ تِلْكَ الدَّنَانِيرُ مَعَهُ، فَلَوْ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ؛ لِيَحْضُرَهَا فَاتَهُ، فَلِهَذَا جَوَّزْنَا شِرَاءَهُ لِلْآمِرِ بِمُطْلَقِ الدَّنَانِيرِ، وَإِنْ نَقَدَ بَعْدَ ذَلِكَ تِلْكَ الدَّنَانِيرَ نَصًّا.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا، وَسَمَّى جِنْسَهُ وَثَمَنَهُ وَوَكَّلَهُ آخَرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ فَاشْتَرَاهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ؛ وَقَالَ: نَوَيْتُهُ لِفُلَانٍ فَالْقَوْلُ: قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا فِي ضَمِيرِهِ، لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ، فَيُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَمِينٌ مُسَلَّطٌ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ جِهَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ مَاتَ فِي يَدَيْهِ؛ مَاتَ مِنْ مَالِهِ الَّذِي سَمَّى لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِقَبْضِهِ لَهُ يَصِيرُ مَنْ وَقَعَ لَهُ الشِّرَاءُ قَابِضًا، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نِصْفَ عَبْدٍ مَعْرُوفٍ بِثَمَنٍ مُسَمًّى، وَوَكَّلَهُ آخَرُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نِصْفَ عَبْدٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ، فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ نِصْفَهُ، وَقَالَ: نَوَيْتُ أَنْ يَكُونَ لِلْآخَرِ- فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ وَكَالَةَ الثَّانِي صَحِيحَةٌ، وَصَارَ هُوَ مَالِكًا شِرَاءَ النِّصْفِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَكَانَ قَوْلُهُ مَقْبُولًا فِي تَعْيِينِ مَنْ الْمُشْتَرَى لَهُ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَمَّى لَهُ ثَمَنًا مُخَالِفًا لِمَا سَمَّى الْآخَرُ، فَاشْتَرَى أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، وَقَالَ: نَوَيْتُهُ لِفُلَانٍ الْآخَرِ- فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِمَا بَيَّنَّا: أَنَّ مَا فِي ضَمِيرِهِ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ، فَإِذَا قَبِلْنَا قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ صَارَ مُخَالِفًا مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِثَمَنٍ غَيْرِ الثَّمَنِ الَّذِي نَوَاهُ لَهُ بِالشِّرَاءِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا النِّصْفُ لِلَّذِي أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِهَذَا الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ لَهُ وَفِيمَا لَيْسَ بِعَيْنٍ لَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَنْقُدَ دَرَاهِمَهُ.
قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً بِعَيْنِهَا فَقَالَ الْوَكِيلُ: نَعَمْ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ، وَوَطِئَهَا، فَحَبِلَتْ مِنْهُ- فَإِنَّهُ يَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ، وَتَكُونُ الْأَمَةُ وَوَلَدُهَا لِلْآمِرِ، وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ، فَإِنَّ نِيَّتَهُ لِنَفْسِهِ لَغْوٌ فِي الْجَارِيَةِ الْمُعَيَّنَةِ، إلَّا أَنَّهَا فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا: أَنَّ الْوَكِيلَ مَعَ الْمُوَكِّلِ كَالْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي، وَوَطْءُ الْبَائِعِ لِلْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْحَدَّ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ، وَلَكِنْ لَا يَتَمَكَّنُ الْغُرُورُ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا لِغَيْرِهِ، وَلِهَذَا كَانَتْ مَعَ وَلَدِهَا لِلْآمِرِ، وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ.
قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أَمَةً، وَسَمَّى جِنْسَهَا، فَاشْتَرَى أَمَةً وَأَرْسَلَ إلَيْهِ بِهَا، فَاسْتَوْلَدَهَا الْآمِرُ ثُمَّ قَالَ الْوَكِيلُ: مَا اشْتَرَيْتُهَا لَكَ، فَإِنْ كَانَ حِينَ بَعَثَ بِهَا إلَيْهِ قَالَ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ أَوْ قَالَ: هِيَ الْجَارِيَةُ الَّتِي أَمَرْتَنِي بِأَنْ أَشْتَرِيَهَا لَكِ لَمْ يُسْمَعْ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْإِشْهَادِ عِنْدَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ؛ لِكَوْنِهِ مُنَاقَضًا فِي هَذِهِ الدَّعْوَى، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَأْخُذُهَا وَعَقْرَهَا، وَقِيمَةَ وَلَدِهَا لِمَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا سَبَقَ.
قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ دَارَ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَاشْتَرَى صَحْرَاءَ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ- فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَا يُدَارُ عَلَيْهِ الْحَائِطُ، مَبْنِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَبْنِيٍّ؛ وَالْعَرَبُ يُطْلِقُونَ اسْمَ الدَّارِ عَلَى الصَّحْرَاءِ الَّتِي لَمْ يَبْقَ فِيهَا إلَّا أَثَرٌ، قَالَ الْقَائِلُ: يَا دَارَ مَيَّةَ بِالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ وَقَالَ الْآخَرُ: عَفَتْ الدِّيَارُ مَحِلُّهَا فَمُقَامُهَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بَيْتًا، فَاشْتَرَى أَرْضًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ بِنَاءٌ- لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَا يُبَاتُ فِيهِ، وَذَلِكَ فِي الْمَبْنِيِّ خَاصَّةً، ثُمَّ الْإِنْسَانُ قَدْ يَشْتَرِي الدَّارَ غَيْرَ مَبْنِيَّةٍ؛ لِيَبْنِيَهَا عَلَى مُرَادِهِ، فَلَمْ يَكُنْ فِيمَا اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ مَعْنَى الْمُخَالَفَةِ لِمَقْصُودِ الْآمِرِ، بِخِلَافِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَخَلُّقِ بِنَائِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِ الْمَبْنِيِّ، فَإِذَا صَحَّ شِرَاءُ الدَّارِ لِلْآمِرِ، وَهَلَكَ الْمَالُ عِنْدَ الْوَكِيلِ فَقَالَ الْآمِرُ: هَلَكَ قَبْلَ أَنْ تَشْتَرِيَ، وَقَالَ الْوَكِيلُ: هَلَكَ بَعْدَ مَا اشْتَرَيْتُهَا- فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ لِإِنْكَارِهِ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَنْكَرَ التَّوْكِيلَ أَصْلًا؛ وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ الثَّمَنَ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَهُوَ الشِّرَاءُ بِهِ قَبْلَ الْهَلَاكِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَوْ لَمْ يَهْلَكْ وَنَقَدَهُ الْبَائِعُ فَاسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ فَضَمِنَ الْوَكِيلُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَامِلًا لَهُ فِيمَا قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ وَنَقَدَ وَإِنْ ضَمِنَ الْبَائِعُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ- رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْآمِرِ بِكَوْنِهِ عَامِلًا لَهُ، وَلَوْ لَمْ يُسْتَحَقَّ، وَلَكِنْ جَحَدَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ قَبْضَ الثَّمَنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا حَلَفَ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ، وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ الْوَكِيلُ عَلَى الْآمِرِ، لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ مِنْ الْآمِرِ، وَنَقَدَهُ الْبَائِعُ، ثُمَّ ظَلَمَهُ الْبَائِعُ بِتَغْرِيمِهِ الثَّمَنَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ الْآمِرَ إنْ ظَلَمَهُ غَيْرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ الْبَائِعُ، حَتَّى هَلَكَ عِنْدَ الْوَكِيلِ فَأَخَذَهُ مِنْ الْآمِرِ ثَانِيَةً فَهَلَكَ عِنْدَهُ؛ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَيَضْمَنُ الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِهِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ وَجَبَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ وَلِلْوَكِيلِ عَلَى الْآمِرِ، فَإِذَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ بَعْدَ الشِّرَاءِ صَارَ بِهِ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَ نَفْسِهِ، فَدَخَلَ الْمَقْبُوضُ فِي ضَمَانِهِ وَكَانَ هَلَاكُهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ، فَإِنَّهُ مَا اسْتَوْجَبَ عَلَى الْآمِرِ شَيْئًا بَعْدُ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْقَبْضِ عَامِلًا لِلْآمِرِ لَا لِنَفْسِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُضَارَبَةِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِهِ: قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ سَيْفًا بِثَمَنٍ مُسَمًّى، فَاشْتَرَى نَصْلًا، أَوْ سَيْفًا مُحَلَّى- كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ اسْمَ السَّيْفِ لِلنَّصْلِ حَقِيقَةً، وَشِرَاؤُهُ مُعْتَادٌ، فَقَدْ يَشْتَرِي الْمَرْءُ نَصْلًا لِيَرْكَبَ عَلَيْهِ الْحَمَايِلُ عَلَى مُرَادِهِ.
قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا يَهُودِيًّا؛ لِيَقْطَعَهُ قَمِيصًا، فَاشْتَرَى لَهُ ثَوْبًا لَا يَكْفِيهِ- لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ لَهُ مَقْصُودَهُ، فَتَقَيَّدَتْ الْوَكَالَةُ بِثَوْبٍ يَصْلُحُ لِمَقْصُودِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ دَابَّةً يُسَافِرُ عَلَيْهَا، وَيَرْكَبُهَا، فَاشْتَرَاهَا مَقْطُوعَةَ الْيَدِ، أَوْ عَمْيَاءَ، أَوْ مُهْرًا لَا يُرْكَبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لَمَّا قَيَّدَ الْآمِرُ التَّوْكِيلَ بِهِ.
قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَشَرَةَ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ، فَاشْتَرَى أَكْثَرَ بِهِ- لَزِمَ الْآمِرَ عَشَرَةٌ مِنْهَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَالْبَاقِي لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ قَدْرٍ مُسَمًّى، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، لَمْ يَتَنَاوَلْهُ أَمْرُهُ، فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَفِي الْقَدْرِ الَّذِي تَنَاوَلَهُ أَمْرُهُ، قَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ، وَزَادَهُ مَنْفَعَةً بِالشِّرَاءِ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى لَهُ، فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْجَوَابَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مَا يُسَاوِي عَشَرَةَ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ، أَمَّا إذَا اشْتَرَى، مَا يُسَاوِي عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ- فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّ الْآمِرَ تَنَاوَلَ اللَّحْمَ السَّمِين، الَّذِي يَشْتَرِي مِنْهُ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ، وَقَدْ اشْتَرَى الْمَهْزُولَ؛ فَلَمْ يَكُنْ مُحَصِّلًا مَقْصُودَ الْآمِرِ، فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.